أمان السيد
1- توحـــــــــــّد ..
وانقضــــى مساء جديد..العتمة تلقي ستراً شفافاً، وغيم وراءها يسترق نظرات خافتة، أما أضواء البيوت، فهي حولي شاحبة، ورويداً رويداً تتفجرعن عهر مكبوت..
ابنتي في غرفتها تعانق مدفأة بشمعتين، وفيروز تغني:
« بيتك يا ستي الختيارة بيذكرني ببيت ستي..
تبقى ترندحلي أشعارا والدنيي عم تشتي» ..
شققت ُالباب، أعرفُ ما وراءه. ضوءُ مدفأةٍ شاحبٌ، وابنتي تعانق ركبتيها، هي، وفيروز تتتوحدان كلّ مساء في الموعد ذاته.
أحبُّ أن أعابثها، ردةُ فعلها أتوقعها، فحين أشعل ضوء الغرفة من توحدّها الجميل أسحبها، وتصيح :
لا. أطفئيه، أرجوك.عيناها لا تريد لهما أن تتعكرا بأيّ إحساس آخر، وحدها وفيروز.
أعانقها، ورأسي على كتفها أسنده، كلانا، وفيروز وضوء المدفأة الشاحــــب.
2- عنـــــــــــــــــاق..
مشــــتل الزهور الجميل ذاك، عليه يشرف بيتي، وبيوت جيراني.
في الصباح رائحة قهوة حارة منه تتعانق وأبخرة الزهور.
يد ُعامل بسيط تحملها، تتبعت الأبخرة. للحظات ساقتني رغبة ملحة أن أدعو نفسي إلى شفة قهوة، تتبعت الأبخرة.
في بيت بلاستيكي شفاف رأيتها تتجمع، ووحيدة أنا على شرفتي تنسانــــــي.
3- عُهـــــــــــر..
جـــــارتي تطل على مشتلنا الجميل، فيها من العهر ما يقلق تناغمه الجميل.
لست أدري لمَ يستفزّها تناغمُه، ولم بينها وبين رقته أسوار من الشوك؟!
لعهرها شكلٌ آخرغفلت ْعنه قوافلُ من النساء في هذا الزمان، تمعّنتُ في صورة وجهها اليوم، هي بمسمّى الأنوثة أنثى منسجمة الملامح ..
أدركت أنّ للعهر شكلا واحدا بتعدد صنوفه، فجارتي لا تبيعُ جسدها، صوتُها وصراخُها، وألفاظها البذيئة على زوجها، وبيوت الجيران تنهال بلا ثمن!
4- نحيــــــــــــــب..
صديقـــي الفلسطيني الغريب – عبد الله- تربّع ذاكرتي منذ سهرة البارحة.
بيته لا يشرف على مشتلنا الجميل، لكنه قريب من مشاعري، سهرة رأس السنة مرت مملةغرباءعلى طاولة اجتمعنا لا شيء يجمعهم إلا رغبة في مجاراة الغير الذين يسهرون، وشيء من التغيير.
حزينـًا مطرقـًا كانَ، في كأس الشراب تتسارعُ أنفاسه، ويده الأخرى بخفية تنزلقُ إلى ركبته، وتضغط عليها، يكابر ألمه بينما عيناه تركمان نحيبــا كثيفا.
5- اغتــــــــــراب..
نــُــواح أمي في الصباح وصلني عبر أسلاك الهاتف، جسدُها المنكمشُ ليلة البارحة في فراشها، وجهُها المغطى بذراعها آخرُ ما كان ودعني مساء قبل سفري زاداً فقيراً يغصّ بالحرقة.
لمِرّات ظننتها استساغت وداعنا، فإذا بها تشتد وهنــــًا!..
يا أمي.. لا توهني، فجميعنا مسافرون، لسنا إلا حبالاً مشدودة على وتر، ووحده الاغتراب يطاردنا.
طيف أمي، وابنتي بينهما موروث مشترك، تذكرت أنه عبري إليها انتقل، فحين أسرتنا تحزن عن كل الوجود تغترب، بذراعنا نخفي وجوهنا مغمورة بالشجـــــن.
6- نشيــــــــــــــــــــج..
بيتـــــي في وطني الأمّ يغمض جفنيه على ذاك المشتل الجميل مخلفاً لي الذكرى، ومعي أسفّـّرها إلى بيتي الآخر في بلد الاغتراب.
كثيرمن البيوت فارقتها، مجرد خربشة خلّفتُ، ومع الزمن، الخربشاتُ تشكلت بيوتـــًا عديدة، وأنا وحدي بطلة الحاضر، والماضيٍ.
أدخل إلى بيتي الآخر في تلك المدينة الملتهبة الخرساء، في انتظاري أجده صامتـــًا، ونفسي عليها أقسو، وبالسياط ألهبها: ألم تألفي الرحيل؟
تفحّ نفسي في نشيج مسحـــــوق.
7- هو من أريده سلطانـــًا وأنا له شهرزاد..
بحيــــــرة « خالـــــد « في الشارقة صمتها يستثيروجعي،غارقة بالقيد حتى قرطيها.
الرصيف في تعذيبها يُمعن بتواريخ من نعال تدوسه.أليست الأنوثة في وجعها نستعبد نعالنا؟.
إلى البحر أفر منها، شهريارفي أحضانه تستوي نساء الوجود وغلمانه.
مالي، وتلك البحيرة؟
أنا أنثى، وأنوثتي جوعى.هو من أريده سلطانا، وأنا له شهرزاد.
8- مســـــــــــاواة..
اليـــــوم.. جربت طقسًا جديدًا، أن أحلّق مع النوارس.
عدوْت ُعلى الشاطئ، التقطتُ صورة لنورس أبيضَ، وحمام أسودَ مرقّـــّط.
الرّمل تحت قدميّ واسعٌ جدّا، والناسُ كفتات ِالخبز عليه منتشرون. تساءلتُ من الأوسع؟ البحرُأم الرمل، أم ذاك الحُبّ الذي جمع بين الأسود المرقط والأبيض؟.
الجوع ينهشُ الأحاسيسَ البشرية، ومن تراه الأفظعُ: الجوعُ؟ أم الموتُ، أم تلك النظرةُ الشبقةُ لرجل بدشداشة بيضاءَ تفترسنــــــــــي؟!