القس الدكتور جُون نَمُّور
قال الوحي في الكتاب المقدَّس:”فانصرف يسوع مع تلاميذه الى البحر وتبعه جمع كثير من الجليل ومن اليهودية ومن أُورشليم ومن أدُومِيَّة ومن عبر الأُرْدُن. والذين حول صور وصيدا جمع كثير إذ سمعوا كم صنع أتوا اليه. فقال لتلاميذه أن تُلازِمَهُ سفينة صغيرة لسبب الجمع كي لا يزحموه. لأنه كان قد شفى كثيرين حتى وقع عليه ليلمسه كل من فيه دَاء. والأرواح النَّجِسَة حينما نظرته خَرَّت له وصرخت قائلة أنَّك أنتَ ابنُ الله. وأوصاهم كثيراً أن لا يُظهروهُ ثم صعد إلى الجبل ودعا الذين أرادهم فذهبوا إليه. وأقام اثني عشر ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا. ويكون لهم سلطان على شفاء الامراض وإخْرَاج الشياطين… ثم أتوا إلى بيت. فاجتمع ايضا جمعٌ حتى لم يقدروا ولا على أكل خُبز. ولما سمع اقرباؤه خرجوا ليمسكوه لانهم قالوا انه مُخْتَّلٌ. وأما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا أن معه بعلزبول وأنه بِرَئِيسِ الشياطين يخرج الشياطين. فدعاهم وقال لهم بأمثال كيف يقدر شيطان أن يُخرجَ شيطانا. وإن انقسمت مملكة على ذاتها لا تقدر تلك المملكة أن تثبت. وإن انقسم بيت على ذاته لا يقدر ذلك البيت أن يثبت. وإن قام الشيطان على ذاته وانقسم لا يقدر أن يثبت بل يكون له انقضاء. لا يستطيع أحد أن يدخل بيت قوي وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أوَّلاً وحينئذ ينهب بيته. الحق أقول لكم أن جميع الخطايا تُغْفَر لِبَنِي البَشَر والتَّجَادِيف التي يجدِّفُونَها. ولكن مَنْ جَدَّفَ على الرُّوح القُدُس فليس له مَغْفِرَة إلى الأبد بل هو مُسْتَوجِبٌ دَينُونَة أبَدِيَّة.لأنهم قالوا أن معهُ رُوحَاً نَجِسَاً”(مرقس3).
المسيح غَيَّرَ مَفَاهِيمَ العالم بدءاً من شعب إسرائيل وكهنتهم وأنبيائهم إذ كشفَ بنورهِ العجيب ظُلمة قلوبهم، قائلا:”مجداً من الناس لستُ أقبَل. ولكني قد عَرَفتُكم أن ليست فيكم محبَّةُ اللهِ في أنفسكم”(يوحنا41:5). عدا عن ظلم إبليس لنا وسلطان الخطية علينا لكن أضَلَّ الكهنة والكَتَبَة شعب الرب قديماً ولم يكن الرب راضياً بذلك البتة. فجاء المسيح نور العالم ليُحرّر النفوس المُنحنية ويكون بهِ كل شيء جديدا. شفى الجُموع بكلمة منه وأخرج الشياطين وأقام الأموات وأشبع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتين وعلّمَ الناس بِسُلطانٍ. فانتعشت النفوس الذابلة والذليلة وأتت الجموع إليه بِبَهْجَةٍ مُختلطة بالحيرة والتعجُّب. تجاهل الشعب الاستعمار الروماني وقبضة الوالي بيلاطس البُنطيّ الحديدية ودهاء الملك هيرودس وبطشه بل أداروا القَفَا لِرؤساء كهنتهم وجُنْد الهيكل وشيوخ الأمة والعظماء وأهملوا السّاسة والسياسة لأن الكل كان يطلب المعلِّم العظيم الشَّافِي، يسوع النَّاصِريّ.
تبعتهُ الجموع لاجل الشفاء والحرية والبعض بسبب الحشرية وقال الوحي:”فصعد كثيرون من الكُوَر إلى أُورُشَلِيمَ قبل الفصح ليطهروا أنفسهم. فكانوا يطلبون يسوع ويقولون فيما بينهم وهم واقفون في الهيكل ماذا تظنون. هل هو لا يأتي الى العيد” (يوحنا11). أيضاً، “فكان اليهود يطلبونه في العيد ويقولون أين ذاك. وكان في الجمع مُنَاجَاةٌ كثيرة من نحوه…ولما كان العيد قد انتصف صعد يسوع الى الهيكل وكان يعلّم. فتعجب اليهود قائلين كيف هذا يعرف الكُتُب [أي الأسفار المقدسة] وهو لم يَتَعَلَّم” (يوحنا7). أيضاً، “ولما نزل من الجبل تبعته جموع كثيرة…ألخ”(متى8).
بحضور المسيح اختبرت الناس أمورا جديدة وعجيبة. صارت نَهْضَة رائعة لم يشهد لها التاريخ مثالاً. لأنه قد أَحْيَا رجاء الناس بمحبة الله لهم وبأمَلٍ سَمَاويّ حقيقي. أما أقرباؤهُ، للأسف، فقالوا أنه مُختّل. يا للمهزلة، الجاهل يُجهّل إله الحكمة والفهم والعلم. كثيرا ما تكون هذه وجهة نظر الأهل والأقارب والمعارف نحو العظماء الذين في وسطهم كقول المسيح لأهل الناصرة يوم رفضوهُ: “ليس نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إلا في وَطَنِهِ وفي بيتهِ” (متى57:13). أما الكَتَبَة والفريسييون الذين يمثلون التيار الديني فقالوا أن معه بعلزبول. المعرفة الدِّينية تتحول إلى فخ يطبق على المُنتفخين والمتكبرين. ولا تتعجب إن رأيتَ شخصاً مُتديّناً لكنه غير تائبٍ. ساعة في الكنيسة وساعة على طاولات القمار والعربدة وغيرها. ذلك لأنه فاقدٌ للرؤية الروحية ولا يقدر أن يُميّز أو يقبل خَلاص الله في المسيح. فالشيطان يرتعب من المسيح ويُحَرِّك أتباعهُ لكي يُعطِّل وصول كلمة الله ورحمته للنفوس الهالكة لئلا يخلصوا.
أما الجِيَاع والعِطَاش إلى البِرِّ السَّمَاويّ والمرضى والمتألمين من الأرواح النجسة فَلم يكترثوا بما قيل بل تَرَامُوا عليه: “لأنه شفى كثيرين حتى وقع عليه ليلمسه كل من فيه دَاء” (مرقس10:3). لا يقدر أحد أن يقف بوجه الإرادة البَشَرِيَّة الباحثة عن الحق (المسيح). هذا يذكرنا بجُندي احتقر نُبُوءَة أليشع النبي حين قال بأن الرَّب سيفكّ حصار العدو غداً وسيكون للشعب طعاماً. وفي الغَد أوقف الملك ذلك الجندي على باب المدينة فَدَاسَهُ الشعب بسبب الزحمة لأنهم سمعوا بأن العدو قد هربَ ويوجد حنطة وشعير. هرب الأعداء لأن الرب قد أسمعهم صوت خَيلٍ ومَرْكَبَاتٍ كثيرة (2 ملوك7). عزيزي، لا تهتم بأَقاويل الناس وأكاذيبهم حينما يحقترونَ ويُنكرونَ لاهوت المسيح وشخصه وخلاصهُ، لِخَيركَ. نُصلّي: “أيها الرَّب يسوع ارحمني واشْفِنِي واغفر خطاياي بِدَمِكَ الكريم واملأني بروحكَ الطاهر وامنحني حياة أبدية بِنعمتكَ لكي أحيا لكَ بالبِرِّ والقَدَاسَة طيلة أيام حياتي”. أخيراً أهدي للآبِ والابْنِ والرُّوح القُدُس الإله الواحد المُثَلَّث الأَقَانِيم المَجْدَ والسُّجُودَ والتَعَبُّدَ الآنَ وإلى أبَدِ الآبِدِيِنَ آمِين.