القس الدكتور جُون نَمُّور

بشأنِ معرفة المُستَقبَّل تحدَّى الرَّبُّ آلِهَة الشَّعوب الوَثَنِيّة الوَّهْمِّية بقولهِ: «قَدِّمُوا دَعْوَاكُم أحضِروا حُجَجَكُم يقولُ ملكُ يعقوبَ. ليقّدموها ويُخبرونا بما سَيَعْرِضُ. ما هي الأَوَّلِيَّاتُ. أخبِرُوا فنجعلَ عليها قُلوبَنَا ونَعْرِفَ آخِرَتَهَا أو أعلِمُونَا المُسْتَقْبِلاَتِ. أَخْبِرُوا بالآتِيَاتِ فيما بعدُ فنعرفَ أنَّكُمْ آلَهِةٌ» (إشعياء21:41). تَّحَدَّى الشعوب الوَثَنِيَّة ليُظهر بأنه وحده الإله الحَيُّ الحَقيقي الذي بِيَدِهِ الماضي والحاضِر والمستقبل. وكَشَفَ تعالى لِشَعْبِهِ بالأنبياء بأنه سيأتي بِهيئة بَشَرٍ لخلاصنا. لكن رغم معرفتهم «بالآتِيَات» عثروا بهِ لعَدَمِ الإيمان تماماً كما تَنَبَّأ إشعياء النَبِيّ: «ويكونُ [المسيح] مَقْدِسَاً وحَجَرَ صَدمةٍ وصخرةَ عَثَرَةٍ… وفَخَّاً وشَرَكَاً لِسُكَّانِ أورشليمَ» (إشعياء14:8). رُغم رفض الشعب للمسيح لكن أكّدتَ النبوءات بأنه سيؤسس كنيستهُ بتلاميذٍ من اليهود والأمم ويفتح باب الخلاص للجميع:»ويُصالح الإثنين في جَسَدٍ واحدٍ مَعَ اللهِ بالصليبِ قاتلاً العَدَاوَة بهِ» (أفسس 16:2).
من جهة «الآتِيَات» تَنَبَّأ إشعياء بأن المسيح الرَّب سيكون ملجَاء حصيناً لشعبهِ: «ويكونُ إنسانٌ كَمَخْبَاءٍ من الرِّيحِ وسِتَارةٍ من السَّيْلِ كَسَوَاقي ماءٍ في مكانٍ يابِسٍ كَظِلِّ صَخرَةٍ عظيمةٍ في أرضٍ مُعيِيةٍ. ولا تَحْسِرُ عُيُونُ الناظرينَ وآذانُ السامعين تَصْغَى وقلوبُ المُتسَرِّعينَ تفهمُ عِلماً وألسِنَةُ العَيِييِّنَ تُبادرُ إلى التَّكَلّمِ فصيحاً… إلى أن ينسكبُ علينا رُوحٌ من العَلاَءِ فَتَصِيرَ البَّرِيَّةُ بُستَانَاً ويُحْسَبُ البُستَانَ وَعْرَاً» (إشعياء32). تَمَّت المَوَاعِيد وانسَكبَ الرُّوح الٌقُدُس. وهذا ما قاله المسيح لتلاميذهُ أيضاً. قال: «ومتى جَاءَ المُعَزِّي الذي سَأُرْسِلُهُ أنا إليَكُم من الآبِ رُوحُ الحَقِّ الذي من عِندِ الآبِ ينبَثِقُ فهو يَشْهَدُ لي. وتَشْهَدُونَ أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداءِ» (يوحنا26:15). وأضافَ: «إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقولَ لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآنَ. وأما متى جَاءَ ذاكَ رُوحُ الحقِّ فهو يُرشِدُكم إلى جميعِ الحقِّ لأنه لا يتكلَّمُ من نفسهِ بل كلُّ ما يَسمَعُ يتكلّمُ بهِ ويُخبِرُكُم بأمورٍ آتيةٍ. ذاكَ يُمَجِّدُنِي لأنه يأخذُ مِمَا لي ويُخْبِرُكُم. كلُّ ما للآبِ هو لي» (يوحنا12:16).
وبشأن حُلُول البَرَكَات السَّمَاويَّة على العالم بأسم المسيح تَنَبَّأ إشعياء:»تفرحُ البريَّةُ والأرضُ اليَابِسَةُ ويبتهجُ القَفْرُ ويُزهِرُ كالنَّرجِسِ…هُم يَرَوْنَ مَجْدَ الرَّبِّ بَهَاءَ إلهِنا…قُولوا لِخَائِفِي القُلوبِ تَشَدَّدُوا لا تخافوا. هوذا إلَهُكُمُ…حينئذٍ تتفَقَّحُ عُيُونُ العُمي وآذانُ الصُّمِّ تتَفَتَّحُ. حينئذٍ يقْفُزُ الأعرَجُ كالأُيَّلِ ويترنَّمُ لِسانُ الأخرسِ» (إشعياء 1:35). صَوَّرَ إشعياء العَالم كبَرِيَّة وأرض يَابِسَة لكنه بِالمسيح يتَحَوَّل إلى مَرْجٍ من زَهْرِ النَّرْجِس. العالم يُشيرُ لقلوب الخُطاة المُظلمة التي عِندما يسكُنها المسيح بِرُوحِهِ القُدُّوس تتحوَّل إلى قُلوب طاهرة. بعد صُعُود المسيح الى السماء ليظَهَرَ بِذبِيحَتِهِ أمامَ الآب لأجلنا (كابن الإنسان) تحقَّقت النُّبوءة وسَكَبَ رُوحهُ القُدُّوس علينا من العَلاء. بذلك صارَ المسيح مُخَلِّصاً وَشَفِيِعاً وفَادياً ورئيس كَهَنَة وَرَبَّاً واستَوفَت محكمةُ السَّمَاء جميع الحقوق المطلوبَة مِنَّا؛ إذ احتَمَل قصاصنا، لأجلِ خطايانا (يوحنا 39:7 ؛ عبرانيين 24:9).
بشأنِ خدمة يُوحَنّا المَعْمَدَان الذي عَمَّدَ الشَّعب بِمَعْمُودِيَّة التَّوبَة في نَهْرِ الأُرْدُن لِقُبُول المسيح تنبّأ إشعياء: «صَوتُ صَارِخٍ في البَريّة أَعِدّوا طريق الرَّبِّ [المسيح]. قَوِّمُوا في القَفْرِ سَبِيلاً لإلَهِنَا…فيُعلَنُ مجدُ الرَّبِّ ويَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جميعاً لأنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكلَّمَ» (إشعياء 3:40 ؛ متى1:3). بشأن إنسانية المسيح وخُضُوعهِ للآبِ نِيَابَة عنَّا قال الآبُ عنهُ في النُبُوءة: «هُوَذا عبدي الذي أعضُدُهُ مُختَارِيَ الذي سُرَّتْ به نفسي. وضعتُ رُوحِي عليهِ فيُخرِجُ الحقَّ للأممِ [لكونه الطريق والحق والحياة]. لا يصيحُ ولا يرفعُ ولا يُسْمِعُ في الشَّارِعِ صَوتَهُ [لا يستخدم العنف]. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لا يَقْصِفُ وفَتِيلَةً خَامِدَةً لا يُطْفِيءُ [لا يتخلَّى عن نَفْسٍ رَازِحَة تحت سلطان الشَّرِّ]. إلى الأمَانِ يُخرِجُ الحقَّ. لا يَكِلُّ ولا ينكسِرُ حتَّى يَضَعَ الحقَّ في الأرضِ وتنتظرُ الجزائرُ شريعتَهُ (إشعياء 1:42). باختصار، قال الله بشأن الآتيات بأن المسيح سينتصر وأن الأمم (في الجَزَائِر أي القارات البعيدة) ستلقي رجاءها عليهِ وينتظرون خلاَصَهُ ليخرجهم من سجن العُبُوديَّة الرُّوحية وبذلك تتم نبوءة أخرى تقول: «فقد جَعلتُكَ نُوراً للأممِ لِتكونَ خلاصي إلى أقصى الأرضِ» (إشعياء 6:49؛ أعمال 47:13).
للأسف، أيضاً تنبّأ إشعياء بأنَّ إسرائيل سَترفض المسيح ويجلدونهُ ويصير منظرهُ مُفْسَدَا حين يحمل عَارنا، ويُصْلَب بين لصّين ويُدْفَن في قَبْرِ رجُل غَنِيٍّ ويقوم من الأموات ويَشْفَع بالمُذنِبِين لمَغْفِرَة خطايانا لننالَ بهِ حيَاة أبَدِيَّة مجيدة (راجع إشعياء الاصحاح 52 و53 و54 و55 و60 و61). باختصار، تَنَبَّأَ إشعياء عن المسيح قبل مئات السنين وكذلك سائِر الأنبياء وأظْهَرَ الله نفسهُ بأنه وحدهُ المُتحَكّم بالماضي والحاضِر والمُستَقْبَل؛ ورُغم أنه تعالى قد أطْلَعَ شعبهُ على هذه الأمور مُسْبَقَاً لكنهم رفضوهُ، فقال الوحيُّ: «ومع أنه كانَ قد صَنَعَ [المسيح] أمامهم آياتٍ هذا عدَدُها لم يُؤمِنُوا بهِ لِيتمَّ قول إشعياء النبيّ…قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلَّمَ عنه» (يوحنّا 37:12). أرجو ألا يسقط أحد بِفَخِّ الرفْضِ لئلا يخسر فُرصَة خلاصه بالمسيح الفادي. نُصَلّي: «أيُّها الرَّب يسوع يا مَنْ شَهِدَ لكَ كل الأنبياء في الأسْفَارِ المُقَدَّسَة ارحمني وطَّهِّرِني بِدَمِكَ واملأني بروحكَ لأحيا لمجد اسمكَ في البِرِّ والطهارة طِيلَة أيَّام حَيَاتِي». وأخيراً أُهْدِي للآبِ والابْنِ والرُّوح القُدُس الإله الواحد المُثَلَّث الأَقَانِيم المَجْدَ والسُّجُودَ والتَعَبُّدَ الآنَ وإلى أبَدِ الآبِدِيِنَ آمِين.