بقلم بيار سمعان

في نهاية هذا الاسبوع يتوجه حوالي 82،970 مغترباً حول العالم للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات اللبنانية وللمرة الاولى في تاريخ الانتشار اللبناني.

واللبناني، الى جانب تمسكه العاطفي بوطنه الأم وبعكس العديد من الجنسيات الاخرى، يحق له الاحتفاظ بثنائية الجنسية والحفاظ على هويته الوطنية بعد الهجرة، حسب الاتفاقيات الدولية.

ورغم المساعي التاريخية لدى بعض القيادات اللبنانية منذ الاستقلال بضرورة منح لبنانيي الانتشار حق المشاركة في الانتخابات، اسوة بالعديد من الدول المتحضرة، الا ان هذه المساعي اصطدمت بممانعة الزعامات الاسلامية بنوع خاص كون الأغلبية الساحقة من المهاجرين اللبنانيين كانوا ينتمون الى الطوائف المسيحية. في بلد الأقليات والمساومات تلعب الارقام دوراً هاماً في الوضع السياسي فيه.

لكن هذا الواقع تبدّل بعد الحرب اللبنانية. وللمرة الاولى بدأ المسلمون يهاجرون الى الغرب اسوة بالمسيحيين. وشعر المسؤولون في لبنان انهم غير قادرين على السير بعكس التيار وحرمان المغتربين اللبنانيين حقهم القانوني والاخلاقي بالمشاركة في الانتخابات، خاصة بعد ان اثبت لبنانيو الانتشار خلال مرحلة الحرب والخضّات السابقة، انهم العمود الفقري لدعم ابناء بلدهم معنوياً ومادياً وسياسياً، ولعبوا دوراً مؤثراً لصالح الحفاظ على وحدة لبنان ومدّ ابنائه بالمساعدات المادية خلال كل ازمة او محنة عصفت بالوطن.

وعلى سبيل المثال كان ابناء الجالية في استراليا، يرسلون شهرياً طوال سنوات الحرب ما يقارب المليون دولار لذويهم في الوطن الأم لمساعدتهم للبقاء في ارضهم.

فلبنانيو الانتشار الذين اسسوا فعلاً «مملكة لا تغيب عنها الشمس» نظراً لوسع انتشارهم حول العالم، اصبح يصعب على السياسيين اللبنانيين تجاهلهم وعدم الاعتراف بدورهم واهميتهم، بالاضافة الى تنوعهم الطائفي والمذهبي.

لذا أُقر مؤخراً قانون انتخاب لبنانيي الانتشار في مرحلة اصبحت كل الاحزاب والزعامات بحاجة الى دعمهم اذ لا تخلو مدينة او بلدة او قرية بدون ابناء لها في الخارج، ويزيد عددهم على عدد المقيمين في الوطن.

  • الجالية الاسترالية البعيدة والقريبة من الوطن

قد تكون الجالية اللبنانية في استراليا من اقرب الجاليات اللبنانية واشدها تمسكاً باللغة والعادات والمثل اللبنانية، رغم بعد استراليا عن لبنان ووجودها في محيط آسيوي الطابع.

واللبنانيون في استراليا هم «نسخة مثالية» عن المجتمع اللبناني. ساهمت الكنائس والمدارس والمساجد والجمعيات الخيرية «القروية» وعيشهم مجتمعين حول هذه المؤسسات في مناطق محددة داخل المدن الكبرى، خاصة سدني وملبورن لحفاظهم على الهوية والتقاليد والعقائد في بلد يكرّس الحرية والتعددية.

كما ساهمت وسائل الاعلام العربية، ومنذ 1968 مع ظهور اول صحيفة عربية في بلاد الكنغارو “صوت المغترب” انشأها جان سمعان . ثم كرت السبحة وتعددت الصحف والمجلات، وانشئت الاذاعات. وساهمت وسائل الاعلام العربية بربط المواطن اللبناني بوطنه الأم . واصبح للجالية اللبنانية دورها الرائد في قيادة الجاليات العربية الاخرى، انطلاقاً من الطعام اللبناني ووصولاً الى العمل السياسي والمساهمة الفاعلة في كل القطاعات الحيوية.

وتأثرت الجالية اللبنانية  في استراليا بالاحداث السياسية في الوطن الأم. فكانت تنقسم وتتباعد فيما بينها، كلما انقسم زعماء لبنان فيما بينهم وتوترت علاقاتهم. لكن هذه التوترات لم تصل يوماً الى حد الصدام والاقتتال. فدولة القانون التي يعيشون في ارجائها ونسبة الوعي ووجود فئات وسطية منفتحة حالت دون احتزاء اللبنانيون في استراليا واقتدائهم الأعمى بقياداتهم واحزابهم في الوطن الأم.

ويمكن القول ان التقارب العاطفي مع لبنان  والتقارب المعنوي داخل ابناء الجالية، وبناء جالية متكاملة الى حد كبير وسهولة التواصل خلال السنوات الاخيرة بنوع خاص ساهمت في دعم المشاعر الوطنية ومستوى تمسكهم بهويتهم اللبنانية دون اي نقص في ولائهم لاستراليا ومساهماتهم اللافتة لأعمارها وازدهارها.

هذا الارتباط بلبنان قد يفسر النسبة العالية لمن سجلوا اسماءهم للمشاركة في الانتخابات بالمقارنة مع جاليات اخرى حول العالم، دون ان نتناسى ان عمر الهجرة اللبنانية الى استراليا يقارب 160 عاماً. لكنها تكثفت خلال الحرب اللنبانية  وتنوعت في مكوناتها الثقافية والدينية.

  • الانتخابات وموقف الجالية منها.

الحماس  والالتزام السياسي دفع العديد من اللبنانيين سابقاً الى السفر للمشاركة في الانتخابات البلدية ، (كون الانتخابات النيابية، لم تحصل بفعل التمديد). لكن هذا التناقض ولَّد حالة من عدم الثقة بالنظام واسياده وبامكانية اجراء الانتخابات النيابية بسبب العراقيل الداخلية والاوضاع المتأزمة في لبنان ودول الجوار. وهذا انتج حالة من عدم الثقة واللامبالاة وعدم القناعة ان البرلمان والحكومات سيتمكنان من الوصول الى تفاهم حول قانون الانتخابات يرضى عنه الجميع في اجواء المحاصصة والمحسوبية والتسويات والحفاظ على المواقع والاحجام.

كذلك ادى الغموض في شروط التسجيل وكيفية الانتخاب وعدم استيعاب النظام الانتخابي الجديد الى خفض نسبة الحماس للمشاركة في الانخابات. وهذا ما دفع سياسيون وقادة  وممثلي الاحزاب اللبنانية للسفر الى استراليا لشرح الجوانب الغامضة من القانون وتجييش المناصرين وطرح برامج ووجهات نظر سياسية، خاصة باحزابهم. واهم من زار استراليا لهذه الغاية، الدكتور سمير جعجع والنائب ستريدا جعجع، وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوض ومندوبون عن تيار المردة وتكتل المستقبل  وحزب الكتائب اللبنانية وغيرهم.

  • صعوبات تعيق الانتخابات:

يجهل لبنانيو استراليا كسائر لبنانيي الانتشار شروط التسجيل ومتطلبات الانتخاب وشروط الادلاء بأصواتهم. فلا الاجهزة والادارات اللبنانية قامت بدورها على اكمل وجه، ولا الاستعدادات والاجراءات العملية كانت متوفرة لدى جميع لبنانيي  الانتشار.

فالتسجيل على لوائح الانتخابات تم بواسطة اية اوراق ثبوتية (اخراج قيد، هوية قديمة او جواز سفر لبناني).

غير ان التصويت يتطلب وجود جواز سفر لبناني جديد او مجدّد له… والقلة الضئيلة من اللبنانيين يحملون مثل هذه الوثائق. واستحدثت وزارة الخارجية اصدار جوازات سفر خاصة بالانتخابات. لكن العديد لم يحصلون عليها بعد، وانا واحد منهم.

وباعتقادي ان نسبة ضئيلة من 11 الف لبناني استرالي  سجلوا اسماءهم للانتخابات سيتمكنون من التصويت.

نقطة الضعف الاخرى تكمن في توزيع اقلام الاقتراع على مناطق متعددة وتخصيصها منفردة للاقتراع حسب المناطق. وقد تشكل هذه التفاصيل عائقاً بالنسبة للبعض. اذ كان من المستحسن ان يتمكن اي مواطن من الادلاء بصوته في اي مركز مجاور. بعد ان تزود هذه المراكز بلوائح لكل الكتل والمرشحين، وان يدرج اسماء المسجلين للانتخابات على برنامج الكتروني ويجري شطب اسم المنتخب الكترونياً عند التصويت. وهذا يحد من امكانيات التزوير او الانتخاب المتكرر في اكثر من مركز.

فصعوبة الانتقال من منطقة الى اخرى قد تشكل عائقاً بالنسبة للناخبين. واذكر على سبيل المثال انه طلب على ناخبين منطقة المنية/ الضنية الادلاء بأصواتهم في مسجد لاكمبا، مع العلم ان عدداً من القرى المسيحية في هذه المنطقة يقيم معظمهم بجوار كنيسة سيدة لبنان وفي منطقة باراماتا. فكان من الأسهل اعتماد اللامركزية في التصويت لاسباب عديدة، ربما تعالج هذه الامور مستقبلاً.

 ليس واضحاً من هم الاشخاص الذين سيشرفون على مراكز الانتخابات، من يمثلون من التيارات والاحزاب؟ وهل خضعوا لدورة اعدادية تؤهلهم ضمان سلامة التصويت. كما نجهل ايضاً التدابير التي اتخذت للحؤول دون تصويت شخص واحد في اكثر من مركز انتخابي. فنحن نجهل النواحي اللوجستية  التي تحول دون وقوع اخطاء مماثلة، دون التقليل من صعوبة ودقة هذا الاختبار الذي يواجهه السلك الديبلوماسي للمرة الاولى.

  • فرز الاصوات

طلبت وزارة الخارجية ان تنقل صناديق الاقتراع الى لبنان بواسطة البريد الديبلوماسي. ورغم ان وزارة الداخلية تشرف على سير العملية الانتخابية، تتمسك وزارة الخارجية بالإشراف على فرز الاصوات من قبلها في لبنان.

كان من الافضل والأضمن فرز الصناديق وتعداد اصوات الناخبين في دول الانتشار اولاً ثم ترسل النتائج مع الصناديق المختومة بالشمع الأحمر الى لبنان، لأن مثل هذه الاجراءات العملية توفر ضمانة وشفافية في عملية الفرز.

فالنزاع السياسي الحاد في لبنان، واشراف افرقاء معنيين بنتائج الانتخابات ومرشحون فيها يعني وجود تناقض مبدئي وعملي بين الموضوعية والمسؤولية ومساعي الوصول الى السلطة.

فمن سيشرف على فرز هذه الصناديق في لبنان ومن سيضمن عدم استبدالها او التلاعب بنتائجها؟

نمتدح من اجتهدوا لتمكين الاغتراب اللبناني من المشاركة في الانتخابات النيابية في لبنان. لكن المشكلة في التفاصيل الصغيرة، وهي هامة للغاية ومؤثرة في النتائج.

آمل ان يكون الاختبار الاول ناجحاً الى حد مقبول، واتمنى ان يتمكن الشعب اللبناني من انتخاب دم جديد بعد ان اصبح القديم فاسداً دون حدود.