أسعد الخوري
طرابلس مدينة تحتضن كل الناس من كل المناطق. هي ليست عاصمة الشمال فقط بل عاصمة للتلاقي والعلم والمحبة والانفتاح أيضًا. هي طرابلس الشام وطرابلس لبنان. طرابلس العروبة وطرابلس الإيمان والوطنية. طرابلس الثائرة من أجل قضايا العرب، وطرابلس التي تغلي وتقاتل من أجل مصير لبنان ووحدته وعيشه المشترك.
هي مدينة مميّزة وممتازة، والصراع الوطنية من اجل تمثيلها في المحافل الدولية واللبنانية، ممتع وجميل ومختلف,… لذلك تبدو المعارك أو «الجولات» الانتخابية من اجل تمثيلها في مجلس النواب، تكتنفها الكثير من الإثارة والحماس… والمثابرة.
منذ استحداث المقعد الماروني لطرابلس عام 1992، في أول انتخابات نيابية بعد اتفاق الطائف وفاز يومئذ جان عبيد، والصراع على المقعد الماروني يبدو استثنائيًا.
لقد رحّب أهل طرابلس المسلمون قبل المسيحيين باستحداث مقعد للموارنة ولشاغله الجديد، نظرًا لخصوصية طرابلس وعلاقتها بالجوار المسيحي (الماروني خاصة) من زغرتا الى بشرّي والبترون والكورة وعكار وكافة أرياف الشمال المسيحي.
كانت طرابلس، وما تزال رغم كل الأحداث التي شهدها لبنان منذ العام 1975، المركز الرئيس لأعمال الأطباء والمحامين والمهندسين وسواهم من أصحاب المهن الحرّة، القادمين من المناطق والأقضية المسيحية المحيطة بالمدينة التي تشكّل العصب الأساس والعاصمة الفعلية لأهل شمال لبنان.
لكن المقعد الماروني بكل رمزيته تحوّل – مع الأسف – الى «جائزة ترضية» في دورتي 2005 و2009 في لائحتي «محدلة». مع أن شاغلي المقعد في الدورتين المذكورتين لم يعرفا، ولم يتعرفا، الى طرابلس.. ولا الى أهلها وشوارعها وأسواقها القديمة، وبقوا خارج نسيجها الاجتماعي تمامًا.
من «المضحك المبكي» أن تحاول جهات سياسية وحزبية وحكومية فرض النائب الماروني على المدينة مجددًا. لكن أهل طرابلس يريدون نائبًا يمثل بالفعل نبض المدينة ويكون من صلب نسيجها الاجتماعي والوطني والانساني. نائب يعرف أهل طرابلس وأسواقها الضيقة، وحاراتها وشوارعها، وباب الرمل والحدّادين وأبو سمرا وساعة التلّ، والجوامع والكنائس وقلعة طرابلس، وكافة القلاع الأخرى والأماكن التي يؤمها الناس العاديون ويزورها أهل المدينة والقادمين اليها من كل حدب وصوب.
أهل طرابلس، يريدون نائبًا يشبه المدينة ويعرف بالتجربة والممارسة مشاعر أهلها. سبق له أن شارك في اعتصاماتها وتظاهراتها ودعواتها العربية. نائب صاحب قامة وطنية، يقيم علاقات مع عواصم العرب ودنيا العرب.
عندما كان جان عبيد وزيرًا للخارجية (كان يومئذ نائبًا عن طرابلس) وخلال مشاركته، كممثل لبنان، في احدى اجتماعات وزراء الخارجية العرب، وقع الخلاف بين عدد من وزراء الخارجية المشاركين في المؤتمر. لجاؤوا الى الوزير اللبناني. كتب نصًا «يلائم» جميع الفرقاء المختلفين. وافقوا عليه. يومها أسماه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل (حكيم وزراء الخارجية العرب). هذه هي أهمية لبنان ودبلوماسيته الراقية البعيدة عن الخلافات العربية والقادرة على جمع المتخاصمين والمختلفين والمتباعدين من «الأخوان» العرب. كانت طرابلس ومعها كل الشمال، تنتفض رفضًا لنقل مقعد طرابلس الماروني الى البترون أو جبيل… تحت ذريعة أن عدد الموارنة «قليل» في المدينة. وبقي المقعد الماروني في عاصمة الشمال لأن رمزيته وأهميته تتعدى عدد الأصوات والناخبين. فليس عديد الموارنة في طرابلس هو الأساس أو القاعدة. أهل طرابلس يريدون أن يبقى موارنة الشمال في طرابلس، ويتمسكون بممثلٍ عنهم في المدينة التي تحتضن مطرانية مارونية محترمة ومقدَّرة جدًا، وذات شأن وتأثير في كافة أمور طرابلس والشمال. المهم ليس فقط بقاء المقعد الماروني في طرابلس، بل الأهم أن يُنتخب لهذا المقعد رجل يمثّل نسيج المدينة وتطلعات اهلها.
رجلٌ يثق به أهل طرابلس كونه جزءًا من حركتها الوطنية والمطلبية. رجل يعرفه أهل طرابلس بالأسم وخبروه لسنوات طويلة. رجل ليس طارئًا على المدينة وأهلها وقضاياها.