أصدقائي،
لعل الوصف الأكثر بلاغة وتصويراً هو ما قالة الأديب أمين معلوف عن الذين انسلخوا عن شرقهم، حين قال :” ليس البلد الذي غيابي عنه يحزنني ويسبّب هوسي، هو ذاك الذي عرفته في صباي، إنما الذي أحلم به ولم يتسنّ لي أبداً معرفته”.
أنه الوصف الذي يشبّه لبنان الذي به نحلم ونتمنّى صيرورته، وهل من عاصمة أفضل من باريس لنتحدث عنه؟

ليس مهماً التذكير بالدور الذي لعبته فرنسا، بلاد حقوق الإنسان، مهد الإنسانية والتاريخ ? الوطن المثال للكثيرين من الشعوب العطشى إلى الديمقراطية في العالم في دعم لبنان وحمايته.
فالشكر من هنا واجب للرئيس ماكرون لدعمه المستمرّ للبنان ولشعبه واستقراره ولحكومته الممثلة بيننا بشخص وزير الاقتصاد والمال، برونو لومير.
والشكر أيضاً لدولة رئيس مجلس الوزارء سعد الحريري لكل ما بذله من جهد لتحقيق مؤتمرات دعم لبنان، ولا ننسى كذلك الدور الديناميكي لوزير الخارجية جبران باسيل والذي أشكره من موقعنا كشريك استراتيجي لمؤتمرات الطاقة الاغترابية الذي اختار في هذه المرّة أن يكون من قلب أوروبا، وتحديداً في باريس التي تشهد الكثير من الخطوات الداعمة للبنان منذ أشهر. فبعد باريس 1، 2 و 3 عُقِدَ بالأمس مؤتمر “سيدر”، وهو مبادرة أخرى من الرئيس ماكرون ونأمل أن يسمح هذا المؤتمر بإطلاق برنامج واسع للاستثمار بين بلدينا.

نحن واثقون تماماً من أن الدعم الدولي وحده غير كافٍ، فإذا لم تأخذ حكومتنا على عاتقها إيجاد الإصلاحات البنيوية اللازمة لتحفيز النموَ وإيجاد الوظائف وضخ الثقة لدى المستثمرين والمؤسسات، فإن لبنان لن يتمكن من الخروج من حال اقتصاده غير المدعوم. وإذا لم يأخذ بلدنا على عاتقه تطوير البنى التحتيّة والقضاء على الفساد من جذوره، فإن كل الإرادات الطيّبة الدولية لن تغيّر من واقع الأمر شيئاً.
وإنّ هذه المقاربة محزنة خصوصاً وأن بعض الخبراء يصف لبنان بالمريض في حالة متقدمة تعينه على الاستمرار آلات الإنعاش. وفرنسا، البلد الصديق، تأخذ على عاتقها هذه المرّة، هذه المسؤولية.
على لبنان أن يساعد نفسه وإلا فإن “سيدر” لن يكون في مقدوره اجتراح المعجزات. على لبنان أن يكافح ضد الفساد المستشري والإدارة السيئة.
ومن أجل أن يتمكن القطاع الخاص، الذي هو الاساس في إمكان إفادة إقتصادنا من الفرص المتاحة، من التفاعل مع “سيدر” ، على حكومتنا الإمساك بهذا الملف بتفاصيله من خلال استراتيجية عمل واضحة، شفافة وفعّالة تطور المرافئ والمرافق وشبكة المواصلات والنقل العام والاتصالات، ولنتذكر دائماً أن المعجزات لا وجود لها في الاقتصاد وإن المناعة لوحدها ليست كافية. وخطة الإنهاض المقدّرة بأكثر من 16 مليار دولار قادرة على إعادة وضع لبنان على الخارطة الدولية.
إن وجود حوالي المليون ونصف المليون نازح سوري على أرضنا، تضاف إلى نصف مليون لاجئ فلسطيني سببان يدفعان إلى القلق بشأن المستقبل، والإفادة من مؤتمر بروكسل لدعم قوانا المسلّحة فرصة يجب أن نستفيد منها.

ولنعلنها صراحة: مع وجود دينٍ عام وعجزٍ متفاقم بالموازنة، وفي وسط منطقة تلفّها النيران وتهدد بالانفجار الدائم، فإن لبنان حاله كمثل حال طائرة تجتاز منطقة مطبات هوائية قاسية، ولن يمكنه الاستمرار هكذا.

من الواجب إيجاد حل جذري وأساسي قادر على اجتثاث الفساد ومواجهة التحديات المالية والاقتصادية. ومع أن هذه الطريق طويلة وقاسية، إلاّ أننا قادرون على اجتيازها سوياً.
وإلى اللبنانيين في فرنسا أقول:
إن وطننا الحبيب في حاجةٍ إليكم ووطننا لا يستطيع الاستمرار في حال “الستاتيكو” والانقسام السياسي والمذهبي.
لنجتمع لكنا حول وطننا، فوحدتنا الوطنية ليست أبداً تهديداً أو تتعارض مع التعددية الطائفية لنا كلنا.
صوِّتوا في الانتخابات المقبلة، فلصوتكم معنى وله تأثير. اسمِعوا صوتكم من خلال اختيار المستقبل الذي إليه تطمحون. انتم سفراؤنا ولبنان فخور بكم… لا تنسوا أبداً هذا.