بقلم بيار سمعان

حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد ،بـدأت أُمتان بالإستيلاء على أراضـي تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط في نفس الوقت تقريبا، ففي حين كان الشعب العبراني يستقر في فلسطين، كانت قوة أخرى قد إستقرت وبنت المدن وأنشأت نظاماً له عقائده وشعائره ومكوناته الإقتصادية والفكرية في المنطقة المجاورة والممتدة شمالاً حتى حدود تركيا الحالية.
وحدهما الشعبين العبراني والفينيقي كانا الوحيدين في المنطقة اللذين يؤمنان بالتوحيد. اليهود آمنوا بيهوه (أنا هو الذي هو) .. والفينيقيون آمنوا بالإله إيل، وهو الإله الأعظم والعالي والأول. ومن إيل إشتقت كلمة ألوهو (بالسريانية) والله (بالعربية) وألوهيم (جمع- بالعبرية) وظهرت أسماء مركبة مبنية على هذه الكلمة مثل جليل أي جل – إيل (أرض الله) وميخائيل وإسرائيل (أسرة الله)وغيرهما.. والمفردات لا تنتهي…

وكان قدر فينيقيا أن تصبح في العالم القديم موطن الأمور المادية والفكرية، في حين كانت العبرية موطن الأمور الروحية. ويبدو أن الشعبين تعاونا وتآلفا وتكاملا فيما بينهما فصادق حيرام ملك صور، الملك العبراني داود ثم ولده الملك سليمان. وبدأ هذا التكامل عندما طلب الملك سليمان من حيرام الصوري الفينيقي أن يبني له هيكلاً للرب ويستعمل خشب الأرز المقدس. وقام الفينيقيون بتحقيق آمال سليمان وبنوا حتى «قدس الأقداس» في حرم الهيكل، وهذا الجزء لا يدخله إلا رؤساء الكهنة مرة واحدة في السنة، حيث يوضع تابوت العهد الذي يحوي الوصايا العشر وعصا هارون وأسرار الحكمة وما شابه ذلك من المقدسات.
والفينيقيون الذين إبتكروا وطوروا الأبجدية من مدينة بيبلوس (أي الكتاب) كانوا أيضاً أمة صناعية كبرى في العالم القديم، فتفوقوا في صناعة المنسوجات المصبوغة وصناعة الزجاج والحجارة المرصعة والسيراميك والأحجار الكريمة المنقوشة، وهي تقنيات غير مسبوقة آنـــذاك. كما إستفادوا من وفرة الغابات في محيط صحراوي مجاور ليطوروا صناعة وتجـارة الأخشاب وبناء السفن التي إستخدموها لنقل إنتاجهم الصناعي والحرفي وبيعه في جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى الخمر والزيوت…
إنتقل الفينيقيون في سفن من صناعتهم ونقلوا معهم إنتاج بلادهم، حاملين لغة جـديـدة وأبـجـديـة مؤلفة مـن 16 حـرف ،أصـبـحـت أم الـلـغـات السامية واللاتينية والإغـريـقـيـة. ويؤكد المؤرخ L.A. Waddel أن حضارة الفينيقيين مماثلة للحضارة الفرعونية وتتفوق عليها في مجالات عديدة في النكهة والمهارات، في الترف والحس الرفيع ، تفوقوا على الفراعنة في مجالات عديدة. وفي فن بناء السفن والمهارات المتطورة، كان بإمكان الفينيقيين أن يلقنوا الفراعنة دون أن يستفيدوا من تجارتهم وعلومهم.
لذا يقول Sir Findlers Peterie أن مدينة صور كانت لندن العصور القديمة ومركزاً هاماً للتجارة العالمية، ويؤكد أن فينيقيا تحولت عملياً إلى سيدة البحار، فأرسلت سفنها إلى مرافئ العالم وعبرت المحيطات جميعها (راجع خريطة العالم التي وضعها الفينيقيون منذ آلاف السنين).

وأنشأ الفينيقيون مدناً لهم هي محطات لتوزيع منتوجاتهم وصناعتهم ونقطة للانطلاق في أسفار بعيدة، لذا تحولت فينيقيا الى مركز تجاري عالمي وأصبح لديهم قوة بحرية عظيمة فأمسكوا التجارة في العالم كله، وتحول الفينيقيون إلى شركة عالمية.
وقد جاء في الملحمة الهندية Mahabharata ما يلي: الفينيقيون القادرون، انهم بالواقع مهيأون لغزو الأرض… وضعوا العالم كله تحت سيطرتهم.. وتصفهم الملحمة أنهم «أسياد العالم».
وأصبحت فينيقيا فـي القرنين العاشر والحادي عـشـر قـبـل المــيــلاد تضاهي الحضارتين البابلية والفرعونية، فكست شواطئ البحر المتوسط مستعمرات ومدن خاصة لهم. ولا تزال مدينة (فينيس) البندقة في إيطاليا، تعرف حتى اليوم بإسمها «فينيقيا». وتخطى الفينيقيون مضيق جبل طـارق وبنوا مدنهم ومستعمراتهم على شواطئ المحيط الأطلسي، بنوا مدينة «قادش» على بعد ما يزيد على 2500 ميل عن مدينة صور لتكون لهم محطة قبل إنطلاقهم إلى بلاد ما بعد المحيط الأطلسي (أمريكا) ، وفي نطاق توسعهم بنوا أيضاً مدناً أخرى في بريطانيا والنروج التي تبعد 2500 كلم عن قادش.

تأسيس لندن

ويذكر مؤرخون انه إستناداً إلى وثائق تبين أنه بعد 89 سنة من سقوط (مدينة طروادة) وهي مستعمرة فينيقية تقع اليوم شمال اليونان في الأراضي التركية المشرفة على البحر قام بروتوس، وهو من العائلة المالكة في طروادة بالإبحار مع عدة سفن وإجتاز نهر Thames في إنكلترا وأنشأ مدينة Tri Novanturn أي طروادة الجديدة التي أصبحت فيما بعد لندن. ويقول المؤرخون البريطانيون انه خلافاً للإعتقاد الخاطئ ،يوجد في إنكلترا سلالة ملكية وحضارية منذ نشأتها ودامت حتى الاجتياح الروماني لانكلترا (حوالي 300 سنة قبل المسيح) وتركت هذه السلالة نقودا ذهبية ونقوشاً وآثاراً تظهر مدى عظمتها وتطورها. وهذا ما أثار دهشة يوليوس قيصر عند غزوه لانكلترا حيث اكتشف عظمة هذه الحضارة وذكر في مذكراته للتطور الثقافي وللرقي في المسكن والملبس الخاص بالسكان المحليين.
ويورد الباحث الإنكليزي لائحة متسلسلة لأسماء الملوك الذين حكموا بريطانيا منذ بروتوس (1103 ق.م) حتى الاجتياح الروماني. ولنتذكر واقعاً هاماً هو أن الرومان دمروا قرطاجة المدينة الفينيقية الرومانية في عقر دارها. ويقول المؤرخون أنهم سعوا إلى إلى محو كل ما له علاقة بالحضارة الفينيقية في قرطاجة. من هنا يفهم أن إجتياح بريطانيا كان للقضاء على المستعمرة الفينيقية الأخرى هناك… ويورد الباحث أدلة أن العديد من البريطانيين اليوم هم فينيقيون في تركيبهم الجيني.
ويتابع ووديل قائلاً: لم تكن المحيطات عائقاً في وجه السفن الفينيقية، لكن بسبب جهلنا لتلك الحقبة، لم يولي المؤرخون أهمية لحجم وتطور السفن الفينيقية المجهزة بمعدات متطورة إلى جانب المعلومات حول الطقس وعلاقته بمواقع الكواكب والقمر والأشهر.
وكانت السفن الفينيقية سريعة ومجهزة وقادرة على نقل ما يزيد على 500 مسافر إلي جانب الحمولة والغذاء.

سفن ترشيش

السفن المصنعة خصيصاً للأسفار البعيدة ولمواجهة أمواج المحيط كانت تختلف بحجمها وتجهيزاتها عن السفن التي تبحر فقط في البحر المتوسط وأطلق عليها اسم «سفن ترشيش».
واستعمل الأسبان قديماً هذه الكلمة «ترشيش» ليرمزوا إلى السفن الفينيقية التي كانت تبحر في المحيطات وتصبح كالمشردة بسبب طول سفرها، فالإبحار نحو الغرب (أميركا) أصبح يعني ترشيش. ويؤكد المؤرخ والفيلسوف اليوناني هيرودوتس أن الفينيقيين أبحروا العالم بعد أن أنجزوا الدوران لصالح الفرعون نيشو. وهذا يثبت أن الفينيقيين تمتعوا بخبرات بحرية متطورة قد تكون الأفضل على الاطلاق حتى تاريخ ظهور كريستوفر كولمبوس.
فما هي الرحلات التي قام بها الفينيقيون؟ وما هي الأماكن التي وصلوا إليها وأقاموا مستوطنات عليها؟؟.

قرطاجة

قد تكون قرطاجة من أهـم المستوطنات الفينيقية في شمال إفريقيا تحولت مع الوقت إلى أقوى وأهم مدينة فينيقية مشرفة على البحر المتوسط بعد مدينة صور. ويقدر المؤرخون ان مرفأها الدائري كان يستوعب حوالي 400 سفينة تجارية بالإضافة إلى المرفأ العسكري وفي داخله مرائب لإصلاح وصيانة السفن ولا يدخله أحد دون إذن مسبق.
غير ان المــــؤرخ سـتـاربـو يـقـدر ان عدد المستوطنات الفينيقية يزيد على 300 مستوطنة زرعت في البحر المتوسط وفي أسفل الساحل الأطلسي على شواطئ غرب افريقيا. وفي غرب افريقيا تصبح الملاح سهلة، وما على السفن إلا الإستفادة من حركة الرياح والإبحار باتجاه أميركا الجنوبية واستراليا والباسيفيك.

ما بعد المحيط الأطلسي

قد يتعجب البعض مستبعداً أن يتمكن البحارة الفينيقيون القدامى من الوصول إلى الأميركيتين وإلى استراليا وساماو ونيوزيرندا معتقدين أن هذا ضرب من المبالغة العاطفية.. لكن قبل الحكم على هذه الحقائق، فلننظر إلى الأدلة الثبوتية أولاً.
المؤرخ مايكل برادلي في كتابه «أسرار أناس ماتوا» Dead Men’s Secrets، يؤكد أن هؤلاء المستعمرون في عصور منسية كوَّنوا بالواقع شبكة حضارية متكاملة وحققوا تجارة مزدهرة بين أوروبا وآسيا والأميركيتين منذ 3 آلاف سنة ق.م كذلك توصل البروفسور باري فال من جامعة هارفرد إلى النتائج ذاتها، معتمداً على أبحاثه الشخصية المعمقة ليؤكد أن من وصلوا إلى الاميركيتين في العصور القديمة، لم يكونوا من المستكشفين بل تجاراً ومنقبين عن المعادن النادرة (ذهب نحاس وحجارة كريمة..) ويؤكد الجامعي أنه نتيجة للجهل الذي اجتاح أوروبا خلال العصور المظلمة (Dark Age) يميل الأوروبيون إلى تناسي درجة التقدم لدى الشعوب القديمة ومقدار معرفتهم بالأرض والبحار وعلوم الفلك وفنون الملاحة. ويأكد أن مناطق شمال أميركا ضمت العديد من المرافئ التي كانت تستقبل «سفن ترشيش».

الفينيقيون في أميركا

يذكر الدكتور باري فال في سنة 1780 اكتشف صخرة على شاطئ خليج Hope Bay في جزيرة بريستول رود نقش عليها بالأحرف الفينيقية: «رحالة من ترشيش. هذه الصخرة للدلالة على ذلك». وهذا أول دليل على وجود مرفأ فينيقي يأوي سفن ترشيش الضخمة.
كريستوفر كولومبوس اكتشف على جزيرة Hispaniola مناجم قديمة، كما عاين على جزيرة تاهيتي مواقع كان يجري تذويب الذهب والمعادن فيها وصقلها، وأحصي 14 موقعاً…
بين 1850 و 1910 اكتشف رحالة ومغامرون في غابات الأمازون ومناطق أخرى من البرازيل صخوراً عليها منقوشات فينيقية.
ولقد قام «منتج مادة المطاط الشهير Bernardo Da Silva Ramos بإصدار كتابة باللغة البرتغالة يحوي على 1500 نسخة مصورة لنقوش صخرية عليها كتابات فينيقية يحمل الأبجدية كاملة.
المحقق بيار هونور (Pierre Honore) يعرض استنتاجاته حول هذه الظاهرة ويقول: «يوجد اليوم مكتبة ضخمة من التقارير التي تؤكد بشكل مقنع لا ريب فيه ان هذه النقوش والكتابات هي فينيقية. كذلك تثبت النصوص ان الملك سليمان (935-975) قد زار منطقة الأمازون على متن هذه السفن الفينيقية. وانه اذا اردنا ان نبحث عن بلاد الذهب والأوفير وترشيش وبافاهيم، علينا الا نبحث في العالم القديم الغابر، بل هنا في الأمازون في Rio Solimoes اي نهر سليمان. وعلى مقربة من ريو دي جينيرو نقش على صخرة ضخمة العبارات التالية: «بارديز من صور الفييقية الولد الاول لجيب بعل».
جيت بعل حكم صور بين السنوات 887 الى 856 ق. م. وفي 1872 وجد يواكيم دا كوستا داخل مزرعته في منطقة Paraiba صخرة عليها كتابات غريبة قام رئيس معهد التاريخ بترجمتها وهذا هو النص الكامل للترجمة: نحن كنعانيون من مدينة صيدون مدينة ملك التجارة ندلي بما يلي:
في هذه الجزيرة البعيدة ارض الجبال، قدمنا شاباً ضحية للآلهة السماوية، وللإلاهات) في السن التاسعة عشر من حكم ملكنا المعظم حيرام، لقد ابحرنا من Ezion Geber (مرفأ العقبة) نحو البحر الاحمر. وسافرنا برفقة عشر سفن.
امضينا عشر سنوات نطوف حول افريقيا ثم فرقتنا يد بعل ولم نعد برفقة شركائنا. واتينا الى هنا اثني عشر رجل وثلاث نساء الى «ارض الحديد». انا الأميرال الرجل الذي لن يهرب، نضرع ان تحمينا الآلهة السماوية وترفق بنا.
ويؤكد رئيس قسم الدراسات الشرق اوسطية في جامعة براندايس «مساتسوستش» الدكتور سيروس غوردن ان الفينيقيين عرفوا حتماً البرازيل ودعوها جزيرة الحديد Hy Brasil هذا ما تعنيه الكلمة كما وردت في النص اعلاه. ولا يزال الحديد من اهم مصادر انتاج البرازيل حتى اليوم.

الإبحار نحو الغرب

مَن يدرك موقع وجغرافية لبنان، الموطن الفينيقي يعلم تلقائياً اهمية البحر ودعوته البديهية لسكان لبنان الى الإبحار نحو الغرب، الى الأفق اللامحدودة. لذا يعتقد المؤرخون انه حتى الف سنة قبل الميلاد كانت وجهة السفن الفينيقية نحو الغرب. غير ان الفينيقيين ورغبتهم بالإكتشاف ومعرفة المزيد دفعتهم للبحث عن اماكن ومستعمرات جديدة. وهم كانوا يدركون ان الارض مستديرة وان الإنطلاق من نقطة ما سيعيدك اليها اذا تابعت السفر في نفس الإتجاه. ونظراً لمخاطر المواجهة مع المملكة البابلية في حال قروا سلوك البر، فضل الفينيقيون الاستفادة بما تفوقوا به، اي استخدام البحر وبراعتهم في الإبحار. ونتيجة للعلاقات الطيبة مع المملكة العبرية، منحهم الملك سليمان مرفأ على شاطئ البحر الأحمر، هو مرفأ إيات وازيون جابر في العقبة. يذكر العهد القديم ان سفن حيرام والملك سليمان ابحرت نحو «اوفير» وان سفن جرام نقلت الذهب في اوفير والحجارة الكريمة، ويقول المؤرخ اليهودي جوزيفوس ان اوفير تقع ما بعد افريقيا والشواطئ العربية والشاطئ الهندي، وانه يمكن الوصول اليها انطلاقاً من «ازيون جيبر» اي مرفأ العقبة على البحر الأحمر.
ويؤكد باحثون ان المدينة المبنية في داخل زيمبابواي لم يشيدها السكان الأفارقة الاصليون بسبب غياب اية ادلة اخرى تؤكد براعتهم في فن البناء. ويعتقد هؤلاء ان الفينيقيين قاموا ببنائها كمدينة لصب المعادن واذابتها.
ويؤكد الباحث توماس جونسون انه ينبغي البحث عن اوفير ابعد في مناطق الشرق الاقصى، وابعد من جزيرة بيكوك ومضيق توريس وشمال استراليا، عبوراً بجزيرة ساماو وتاهيتي وصولاً الى المكسيك والبيرو. بهذا الكلام اراد توماس جونسون ان يؤكد ان الفينيقيين اقاموا مستعمرات في جميع هذه الاماكن والجزر وصولاً الى جنوب اميركا حيث الذهب والنحاس متوفر بكثرة. كما يشير الكاتب ان السفن الفينيقية التي وصلت الى اميركا الجنوبية مروراً باستراليا ونيوزلندا والجزر المتناثرة في المحيطين الهادي والاطلسي.
ويذكر الكتاب المقدس ان الارض البعيدة اكثر من ترشيش (اسبانيا) كانت غنية بالفضة والحديد والقصدير ويمكن الوصول اليها من مرفأ يافا (الفينيقي) او من المرفأ المطل على البحر الأحمر (عصيون جابر). ويفهم من هذا النص ان ارض اوفير هي ارض الأميريكيتين حيث تتوفر هذه المعادن الثمينة. وهذا ما يؤكده سيروس غورد من جامعة ماساتسوستش. باحثون آخرون اكدوا انها مدينة تقع على ضفاف نهر الأمازون في البرازيل، كما تشير وثائق احدى القبائل التي تعيش في الأمازون.
ويعتقد سيروس غوردن ان كلمة اوفير جرى تعميمها واطلاقها على معظم الأماكن التي وصل اليها الفينيقيون واكتشفوا فيها المعادن والذهب… وكلمة أوفير او أوفور في الفينيقية يعني الدول الغربية.

استراليا

ويبدو ان السفن الفينيقية واجهت مخاطرة عندما ابحرت الى مناطق جديدة، وقد يكون المعبر الأخطر يقع في شمال غرب الشاطئ الاسترالي، غرب كيمبرلي على مقربة من داروين، وهو اخطر معبر حسب رأي البحارة المعاصرين لشدة حركة المياه فيه.
ويدعي الغطاس الاسترالي آلن روبرتسون انه اكتشف خلال عمليات غطس بحرية في تلك المنطقة، ما وصفه بحطام سفينة فينيقية ولقد التقط بعض القطع المعدنية والعملة القديمة التي اكد جامعيون انها فينيقية الأصل.
كذلك تشير نقوش اخرى على صخور في شمال كوينزلاند انها فينيقية، كما وجد في ولاية نيو ساوث ويلز تماثيل صغيرة ورموز منحوتات وصفت انها فينيقية. متناثرة على الصخور المجاورة لنهر هوكسبوري.
اساطير السكان الاصليين في استراليا تروي قصة وصول شعب غريب على متن سفن كبيرة مثل الطيور والسفن الفينيقية كان في مقدمتها رأس طير او رسم الراس وتتابع الاسطورة ان هذا الشعب حفر ثقوباً واقام في الجبل المقدس وتزاوج مع السكان الاصليين، وقد وجدت اثار مناجم قديمة في منطقة غامبيا ومواقع لصهر المواد المعدنية. بالقرب من توومبا في ولاية كوينزلاند تم مؤخراً اكتشاف مجموعة من صخور الغرانيت مع نقوش قديمة تم تحديدها فينيقية، وفسرت جملة كما يلي: «حراسة ضريح رسالة يهوه» واخرى «إله الآلهة – إيل».
ومنذ سنوات اكتشف مزارع بالقرب من توومبا في كوينزلاند مجموعة الواح صخرية، وهي موجودة في متحف ريكس غيلروي بالقرب من تاموورث عليها نقوش فينيقية يقرأ فيها ما يلي: «السفن تبحر من هذه الارض تحت حماية الرب دان». دان هو مركز تجاري فينيقي قديم جنوب مدينة صور. ذكرت هذه المعلومات في صحيفة Ravenshoe Northern Star بتاريخ تموز – آب – ايلول 1996.

ساموا وجزر الباسيفيك

وذهب الفينيقيون ابعد من استراليا، واطلقوا اسم ساموا على الجزيرة الخارجة من مياه البحر كجزيرة ساموس وهي مستعمرة فينيقية في البحر المتوسط. ثم تابعت سفن حيرام الصوري شرقاً فدعا الفينيقيون جزيرة تاهيتي ( مع تسكين الهاء) على اسم جزيرة تابيتي، ايضاً في المتوسط ( مع تسكين الباء) تصبح الجزيرتان تحملان نفس الإسم تايتي ويبدو ان الفينيقيين اقاموا مستوطنات في الباسفيك كما فعلوا في البحر المتوسط واصبح لديهم مستوطنات ومناجم في استراليا، ومستوطنة في ساموا واخرى في جزيرة موريا. ولقد اكتشفت الإرساليات الاوروبية الاولى آثار بناء وكتابات ومنقوشات قيل انها فينيقية. كما اكتشفت هؤلاء ان طريقة حياة السكان الاصليين في الجزر والمعابد المكشوفة لديهم وتقديم الذبائح البشرية والإيمان بآلهة سماوية تشابه في الكثير من جوانبها مع الطقوس والعادات الفينيقية.
وتجدر الاشارة انه استناداً للعهد القديم كان الشعبان الفينيقي والعبراني توحيديون يؤمنون بالإله الواحد ( الأعلى والأعظم، إله السموات…) لكن في مراحل تاريخية تاه الشعبان واتجها لعبادة «بعل» إله الشمس وعشتار او عشتاروت، ملكة السماء.
وتشير المعلومات كما ورد سابقاً ان الفينيقيين تابعوا رحلتهم نحو جنوب اميركا وفي حين وصلوا الى البرازيل ودول جنوب اميركا عبر المحيط الهادي، وصلوا ايضاً الى اميركا الشمالية عبر اوروبا.
بالإمكان ذكر المزيد من التفاصيل حول الوجود الفينيقي في جميع انحاء العالم.. وما يهمنا نحن المتحدرون من اصول شرق اوسطية فينيقية، انه يجب علينا ان ندرك هذه الحقائق التاريخية الهامة، وعلينا كلبنانيين ان نتيقن ونفهم ابناءنا اننا احفاد حضارة وشعب منفتح ومقدام هو مناره للشعوب، حمل الأبجدية والعلاقات التجارية والانسانية الى جميع انحاء العالم..
ونحن لسنا غرباء في استراليا واروبا والاميركيتين، طالما آباءنا وضعوا حجر الأساس الأول لحقبة حضارية لن تتوقف طالما التاريخ لا يزال يكتب.
اما الحقيقة الثانية، فهي ان من استوطن في وقت لاحق على الاراضي الاسترالية هم بالواقع احفاد الفينيقيين، فالامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس كانت كالإمبراطورية الفينيقية التي غطت الكرة الارضية بكاملها واستفادت من خيراتها وتركت بصماتها على الحركة الانسانية.
إن ما استعرضه اليوم هو نافذة صغيرة على تاريخ مجيد لأجدادنا، أملي ان يجمع اثرياء الجالية على موقف موحد ويقوموا بتمويل لجنة تحقيق ودراسات للكشف عن حقيقة الوجود الفينيقي في هذه المنطقة.
ان معرفة كامل الحقيقة لا بد انها سوف تغير وجه التاريخ وتعيد كتابته مجدداً.. بالواقع بدأ سكان مدينة ساماو بإعادة البحث عن هويتهم فمتى يستفيق اللبنانيون من سباتهم العميق ويعيدوا اكتشاف هويتهم التي لا حدود لها. في حين يحاول عديدون سلب تاريخنا وحضارتنا الإنسانية، نتناسى ان الارض التي يسير عليها اللبنانيون في بلدن الانتشار سبقهم اليها اجدادهم الفينيقيون.
لقد آن الأوان ان نعيد كتابة التاريخ ونعيد احياء هويتنا المتجذرة فيه.