وديع شامخ –
رئيس تحرير مجلة “النجوم”

الاخلاق نسق قيمي مجتمعي متواطأ عليه ، والنص خلاصة فردية متنازع على سيادته ،
الاخلاق تتعلق بالاخر ونمط التعايش معه وبفلسفة التأويل للمضاد ، والنص نزوع فردي لطرح الرؤيا .
فهل النص معني بالجانب الاخلاقي ام ان النص ومؤلفه يعملان على شفرة خاصة غير خاضعة للنسق القيمي المجتمعي ؟
………………
لابد لنا ان نذهب الى فحص مفهوم الاخلاق أولا وهل هو مفهوم رياضي صرف أم حالة نسبية تتعلق بجملة من الحاضنات المجتمعية التي تفرز قيما ومفاهيم ؟
لقد انشغل الفلاسفة عبر العصور بدراسة الظاهرة الأخلاقية ووضع تعريفٍ وتفسيرٍ لها ووضع ضوابط وأسُس للقيم الأخلاقية عبر العصور ومنها «تُعرّف الأخلاق على أنّها مجموعة من القواعد والعادات السلوكية، التي يعتنقها ويؤمن بها مجتمع ما، فتغدو مُلزمةً حتميّة لسلوك الأفراد، ومنظِّمة لعلاقات الإنسان بالآخر والمجتمع، وتختلفُ هذه السلوكات من زمنٍ لآخر ومن مجتمع لآخر كما ذهب أرسطو بأنّ الأخلاق مُرتبطة بسعادة الإنسان التي هي غاية وجوده، فيعرّفها على أنها الأفعال الناتجة عن العقل، من أجل الخير الأسمى السعادة، فيما أيقن عمانؤيل كانط: بارتباط الاخلاق بالإرادة النّابعة من عقل الإنسان الواعي، لا من رغبته، ورأى أنّ التمسّك بالأخلاق وفعل الصواب واجب أخلاقي، ورأى جان جاك روسو: الأخلاق على أنها الأحاسيس الطبيعية؛ التي تجعلنا نميّز بين الخير والشر ونتفادى ما يُلحق الأذى بنا وبالآخرين، ونميلُ إلى ما يعود علينا والمجتمع بالنفع، وهي ما تُميّزنا عن باقي الكائنات الحيوانيّة. ولكن نيتشه يذهب الى أنّ الأخلاق يجب أن تكون نابعةً من الإنسان نفسه، فعلى كل فردٍ أن يبني عالمه الأخلاقي الخاص، الذي لا يعتمد على العقل وحده ، إنما يُمثّل الإنسان كلّه بنقائصه وانفعالاته قبل حكمته « ورغم تباين اراء الفلاسفة في الوصول الى خارطة طريق اخلاقية منذ ارسطو الى نيتشه ، لكن مفهوم الاخلاق لا يغادر معايير السلوك الإيجابي الخيّر، ويُرسّخ مفهوم الواجب لدى الأفراد وكل حسب تمثله لها بوصفها انتماء الى عادات وقيم وقوانين المجتمع الذي يعيش فيه الفرد ويلتزم بواجباته تجاهه ام هي خيار شخصي.
………………
واذا ما ذهبنا للمعاجم فنجدها لا تختلف كثيرا في وضع أسس قارة لمفهوم الاخلاق تعريفا للمعنى والمبنى معا « فقد جاء في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي عن حقل
أخْلاقٌ: (اسم)
جمع خُلُق
مجموعة صفات نفسية وأعمال الإنسان التي توصف بالحُسْن أو القُبْح سمو / كرم الأخلاق ، ولا يختلف المعجم الوسيط عن اجمالها بان الاخلاق هي ما يجمع عليه المجتمع من خير وشر»
………………
لو تفحصنا مصداقية ما طرحناه حول العلاقة بين النص والأخلاق بوصف النص محاولة في اختراق المنظومات الاخلاقية القارة وبث مفهوم اتصالي اشكالي جديد ، عبر مرورنا المرن على اساطين الفلسفة ومعاجم اللغة لوجدنا خيطا مشتركا يربط خيوط الجواب ، فهناك جانب اخلاقي – الخير والشر- اي انه معطى مجتمعي مع اختلاف وتباين تأثير هذا العامل حتى عند الفيلسوف المجنون الذي شيع الله ودفنه – نيتشه- ولكنه لم يقطع الحبل السري تماما بين الانسان وانتاج الاخلاق .
وهذه ورطة كبرى للنص والمؤلف في كيفية الحوار مع الآخر ومنظومته القيمية الشائعة ؟
………………
نظريات القراءة قد اجتهدت هي الاخرى في فحص الفاصل بين الكاتب ونصه أولا ومن ثم علاقته بالمتلقي – المجتمع – وقد خلصت الى قناعات ومشارب لا تقل اشكالية عن البعد الاخلاقي للنص ووظيفته اللاحقة .
كيف يخلص النص من هذه الاغطية والمعاطف ، شخصيا ومجتمعيا ، خيرا وشرا ، غاية ووسيلة ؟

ارى ان العملية الابداعية ليست قيصيرة تماما وفي كل الاوقات ، اذا ما أجاد المبدع رعي مخلوقاته وحروفه بقلب راعٍ أمين وبعقل ماكر معا .

عملية انتاج النص لا تشبه صناعة الجبن او الحلويات ، ولكنها تمر بظروف مشابه ، والخبير العارف من يضع حليبه ودسمه وحبره وحروفه في مختبره الخاص .
المؤلف الحاذق سيكون طباخا وخيميائيا معا ، وهذا التزواج الذهبي سيلد مسلّة ودناناً معا .
النص الخارج من دوراق ونار وفطرة الكاتب سيكون علامة استفهام كبرى ؟؟؟

علامة عصيّة على التدجين في مناخات غير موجبة ، اخلاقية كانت أم مجتمعية ، أم وصايا واجراءات نقدية .
النص المولود بسره سيكون مؤهلاً للخلود في مناخ التباين والتضاريس المعقدة الوجود في خارطة واحدة.
شفرة التأليف مع نزوة المتلقي تشكل موقدا للقراءة بلا شفاعات .