كندة سمارة – ملبورن.
إذا ما أمعنت النظر في الفوضى التي تسود العالم حالياً، تجد أمامك مقولة للفيلسوف بـــرتراند راسل بأن «مشكلة العالم تكمن في أن الأغبياء والمتشدِّدين واثقون بأنفسهم دائماً، أمَّا الحكماء فتملأهم الشُّكوك.»
في عام 1995 قام مواطن McArthur Wheeler بالسطو على بنك، وذلك بعد أن دهن وجهه بعصير الليمون لاعتقاده أن مفعول عصير الليمون هو نفس مفعول الحبر السري على الورق وبذلك سينجح في إخفاء ملامحه ولن تتعرف عليه الشرطة… وطبعاً ذلك لم يتمّ، وتمّ القبض عليه في ذات اليوم.
لفتت تلك العملية نظر بعض علماء النفس الذين قاموا بدورهم بدراسة تلك الظاهرة بشكل أعمق، وذلك لمحاولة التعرف على الثقة التي تمتع بها McArthur حين دهن وجهه، وكيف استطاع شخص بهذه المرحلة من الجهل من اتخاذ قرار جريء كهذا دون أي تردد، ودون أن يشك ولو للحظة في جهله. توصل العلماء بعد دراسة تلك الحالة إلى ما يعرف باسم Dunning?Kruger effect، أو ما يعرف بالتفوق الوهمي. وهذه الحالة تعني ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم فسوء تقديرهم ينبع من خطأ في رؤية الذات الحقيقية وذلك بسبب عدم قدرتهم على التمييز بين الشخص الكفء وغير الكفء فيقعون في وهم التفوق.
فالإنسان الجاهل بحسب رأي العلماء يكون أكثر ثقة في أرائه من الإنسان المدرك والعارف، والقرارات التي يتخذها تكون أكثر غروراً من الإنسان المثقف. ببساطة فإن تلك الحالة التي اسمها Dunning?Kruger effect تخلق لصاحبها مساحة للتخيل فيعتقد فيها بأن المعلومات التي يملكها هي الأشمل والأقوى. وذلك على عكس الإنسان العارف والقارئ باستمرار الذي تنشأ لديه في بعض الأحيان قلة ثقة في معرفته وذلك لأنه يدرك أن المعلومات تتغير وتتطور باستمرار، وأنه كلما فتح آفاق لنفسه أكثر كلما غاص في عمق المعلومات والتساؤلات أكثر، إلى أن تصبح في بعض الأحيان The Worse-Than-Average Effect.
ومن هنا نجد أن الجهل مصدر ثقة كبيرة للإنسان، فهو يوفر على صاحبه مهمة البحث لأنه وبحسب اعتقاده ملمّ وعارف بجميع المواضيع. فالجهل يحميه من الشك والتفكير في المعلومة والتأكد منها، كما يحجب صاحبه عن البحث في الخيارات. على عكس المعرفة المرهقة، فكلما زادت معرفتك كلما فُتحت أمامك أبواب من الفضول والتساؤل والتي قد تضيع عمرك كله في البحث عن معلومة واحدة فقط وذلك بغية الوصول للحقيقة. لذلك إذا كنت ترغب في العيش ببساطة ومستمتع بقناعاتك ومعرفتك من دون شك أو تعب فالحل بأن تعيش جاهل وبذلك نصل إلى السعادة والراحة التي يتمتع البعض منّا فيها!