بقلم  /  زهير السباعي

في نوفمبر تشرين الثاني 1978 أسس عبد الله أُوجلان مع مجموعة من الطلاب حزباً سماه حزب العمال الكردستاني، الحزب عبارة عن جماعة مسلحة كردية يسارية تسعى إلى إقامة دولة كردستان تشمل كلٍ من سورية والعراق وايران وتركيا، في مطلع الثمانيات من القرن الماضي دخل الحزب في صراع مسلح ضد الدولة التركية بهدف الإنفصال عن تركيا واستمرت المواجهة بينهما حتى نهاية التسعينات والقاء القبض على أُوجلان، يتبع لحزب العمال الكردستاني التركي كلٍ من حزب الحياة الحرة الكردستاني في ايران وحزب الاتحاد الديمقراطي في سورية وحزب الحل الديمقراطي في العراق، فحزب العمال الكردستاني هو عبارة عن جماعة مسلحة ومصنف كمنظمة ارهابية على لوائح أمريكا وانجلترا والاتحاد الاوروبي واستراليا، وعندما طفح الكيل بهم وضاقت تركيا ذرعاَ منهم ومن نشاطهم المسلح متخذين من جبال قنديل في العراق ملاذاَ آمناً لهم ولعملياتهم العسكرية قررت تركيا القضاء عليهم بعد أن زهق الحزب أرواح أكثر من أربعون ألفاً من المدنيين جراء الاقتحامات والتفجيرات التي كان الحزب ينفذها في شرق تركيا بدعم كامل من حكومات سورية ولبنان وشمال العراق واليونان وروسيا، ومع مطلع 1996 نفد صبر تركيا فقدم الرئيس الراحل سليمان ديميريل ورئيس الوزراء مسعود يلماظ تحذيرات للنظام السوري بضرورة الإقلاع عن دعم حزب العمال الكردستاني ال بي كي كي وإلا سنضطر لإتخاذ ما يلزم لحفظ أمننا القومي والسلم الأهلي لبلدنا، لم يستجب النظام السوري لطلب أنقرة، وفي تشرين الأول 1998 بلغت الأزمة السياسية بين البلدين ذروتها فحشدت تركيا قواتها العسكرية على الحدود مهددة بإجتياح سورية في حال استمر النظام السوري في تأمين ملجأ آمن لأُوجلان ومقاتليه، تدخلت الجامعة العربية وأرسلت حسني مبارك الى أنقرة للوساطة ولإحتواء الأزمة وحلها سلمياً، وفعلاً استطاع مبارك نزع فتيل الأزمة بعد تنازلات قدمها حافظ الأسد لأنقرة، وتم توقيع إتفاقاً أمنياً بين الدولتين بمدينة أضنة التركية وكان ذلك في العشرين من اكتوبر تشرين الاول 1998، شكل اتفاق أضنة نقطة تحول رئيسية في مسار العلاقات بين أنقرة ودمشق، وكان من أبرز بنود اتفاقية أضنة وملحقاته السرية هو رضوخ النظام السوري للتعاون التام ودون شروط مع أنقرة في مكافحة الارهاب عبر الحدود وإنهاء دمشق لجميع أشكال الدعم لحزب العمال الكردستاني وإخراج زعيمه أُوجلان من سورية وإغلاق جميع معسكرات ومخيمات التدريب في سورية ولبنان- لبنان كان تحت الاحتلال السوري- ومنع مقاتليه من التسلل الى تركيا وإعطاء تركيا حق ملاحقة الارهابيين في الداخل السوري بعمق ثلاثون كيلومتر، ويحق لتركيا اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي وسلمها الأهلي للخطر، واعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية بدءً من تاريخ توقيع اتفاق أضنة دون أن يكون لأي منهما أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الأخر، وهذا يفسر لنا سر تخلي النظام السوري رسمياً عن حقه المطالبة في لواء اسكندرون الذي أصبح جزءً من الأراضي التركية، وقامت الحكومة السورية بحذف جميع الخرائط والمواضيع وكل مايتعلق بلواء اسكندرون من الكتب المدرسية بعد أن كان يظهر لواء اسكندرون ضمن خارطة سورية، فالذي باع الجولان باع اسكندرون وجاء الإبن ليكمل مسيرة والده في بيع ماتبقى من سورية لكل من امريكا وروسيا وايران، بعد اتفاق أضنة غادر أُوجلان سورية الى روسيا ومنها الى ايطاليا ثم اليونان وأخيراَ الى السفارة اليونانية في نيروبي كينيا حيث استطاع مجموعة كوماندوز تركية اعتقاله واحضاره حياً الى تركيا كان ذلك في شباط 1999 حيث حوكم بتهمة الخيانة العظمى وصدر حكم الاعدام بحقه، لم ينفذ حكم الاعدام بحقه وتم تحويله الى السجن مدى الحياة بعد أن ألغت تركيا عقوبة مادة الاعدام، ومازال أُوجلان يقبع في سجن انفرادي في جزيرة ايمرلي باسطنبول. مع إنطلاق الثورة السورية وتدفق الملايين من اللاجئين السوريين الى تركيا وتعرض المناطق الحدودية للقصف وجدت تركيا نفسها مجبرة على تفعيل اتفاقية أضنة بعد تسليم النظام في يوليو تموز 2012 مدينة عفرين لحزب الاتحاد الديمقراطي ليقوم مقاتليه بالاشتراك مع عناصر من ال بي كي كي بالتسلل الى جبال أمانوس بانطاكيا واستهداف القرى والبلدات التركية وهذا يعتبر خرقاً وانتهاكاً لبنود أضنة، ولوقف تدفق اللاجئين ومنع اندساس عناصر ال بي كي كي بينهم طالبت تركيا المجتمع الدولي بإنشاء مناطق آمنة في الشمال السوري لإيواء هؤولاء اللاجئين قوبل هذا الطلب بالرفض من قبل ادارة اوباما واليوم يعود تيلرسون ليؤيد مطلب تركيا بإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كلم بعد أن بدأت تركيا عملية غصن الزيتون، فبعد عملية درع الفرات الناجحة جاءت عملية غصن الزيتون لتكون مكملة لدرع الفرات ولإنهاء تواجد لأي عنصر يهدد أمن وسلم واستقرار تركيا، عملية غصن الزيتون تجري في إطار الحقوق والشرعية المنبثقة عن اتفاق أضنة ومن القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن حول مكافحة الارهاب وحق الدفاع عن النفس المشار اليه في المادة 51 من اتفاقية الامم المتحدة مع احترام وحدة الأراضي السورية
أخيراً تركيا تملك الحق وجميع المسوغات القانونية والدولية التي تُشَرِّع لها بالتدخل العسكري في سورية، قبل بدء العملية أبلغت تركيا رسمياً وخطياً القنصلية السورية في اسطنبول عن موعد وهدف العملية وكذلك أرسلت رسائل خطية للأمين العام للأمم المتحدة وامريكا والاتحاد الاوروبي وروسيا وايران وكازاخستان التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي، نتمنى أن تنتهي عملية غصن الزيتون بأسرع وقت وبأقل الخسائر البشرية والمادية وتأمين المنطقة الآمنة لعودة اكثر من ثلاث ونصف مليون لاجيء سوري في تركيا