بقلم رئيس تحرير مجلة النجوم / وديع شامح
ثورة بنفسجية فقط
كنا ننصت لفيروز صباحا لسماع روائعها ومنها « يا بياع الخواتم « وصرنا نحب الخواتم لانها تذكرنا بالصباح وفيروز والمحبة ، وكبرنا واشترينا خواتم الزواج وعرفنا معنى الحياة من جديد بكل تناقضاتها وبشكل فردي وبتجارب خاصة ، ولكننا لم نعرف ولم نشهد أسوأ مرحلة جمعية وكأنها محرقة ، تلك التي حط غربان المهلكة على شجرة العراق بعد هلاك الدكتاتور .
بياعو الخواتم ، والسبح والخرافات ، تصدروا حياتنا وصادروها، فنامت فيروز في مقبرة اليوم العراقي ، واستعاد ال»اربعون حرامي» هيبتهم من ساحة كهرمانة ، فسالت التماثيل على حياتنا النابضة وراحت القبور تكون عنوانا ، والسواد مظلة ، والحزن ميلادا ..
بياعو الخواتم في أزقة غربتهم ? نضالهم – حولوا الوطن الى- بسطة – معروضة للبيع ، ومزادا منظما للنهب والسرقة بعد ان وفقهم « الله « بالانتصاب على البلاد والعباد .
كانوا خير بياعين ، خطائين غير توابين .
لذا باعوا كل شيء – تفصيخا ? جملة ومفرقا .
فلا تتعجبوا بعد من صباح بلا فيروز ، نصحو به على نداء الغربان .. باعة المحابس والخرافات ،
لا احد يطالب هؤلاء بالحفاظ على هوية وطنية او احترام سيادة .
……………………………
في العام الجديد 2018 يمر على هلاك الدكتاتور الارعن خمسة عشر عاما ، وهذا زمن ليس بقصير لضبط آلة الزمن العراقي واعادة تشغيلها بشكل يتناسب مع روحها التواقة للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي ونعمة الأمن والاستقرار ، سيما وأن العراق يحفل بكل عوامل النهوض ماديا وبشريا.
رغم انني اقدر تماما العصي التي وضعت في عجلة العراق الجديد ومنها المشروع الامريكي ومصالحه ، الارهاب وتقاطع مصالح الدول الاقليمية ، الاحتقانات الطائفية ، تشظي الخطاب السياسي العراقي وخضوعه لاجندات غير وطنية ، الفساد ، بقايا النظام البائد وما تحمله من مشروع مضاد وامكانيات مهمة اعلامية ومادية ولوجستية ، … الخ
لكن الاعوام الخمسة عشر والتي تزامنت هذا العام بالقضاء على داعش الارهابي وهزيمته على الأرض ، ونجاح الحكومة العراقية في تخطي الكثير من العقبات وآخرها مشروع استقلال أقليم كردستان العراق ، والاستقرار الأمني الملحوظ ، تجعلنا نفكر بشكل جدي لمطالبة الساسة حكومة وبرلمانا وحكومات محلية أن تنفض عن خطابها كل غبار الاعذار التي رافقت المراحل السابقة سياسيا وامنيا واقتصاديا ، للدخول في مرحلة جديدة من العمل الجدي باتجاه قطف ثمار الصبر العراقي الجليل.
……………………………
لايمكن بالتأكيد التعويل نظريا على الصورة الوردية التي طرحناها بنيّة وطنية خالصة ، لأن السياسي العراقي قد أنتج لنا قاموسا جديدا في علم السياسة وادارة الحكم يفوق كثيرا ما قدمه « ميكافيلي « في كتابه « الـأمير «.
فكيف السبيل الى تخطي مفهوم العملية السياسية الذي أريد له القدسية بعد مرحلة الدكتاتورية
بعد أن أفرزت التحالفات السياسية الجديدة للانتخابات العراقية القادمة عن واقع مرير يراد منه تدوير النفايات الحاكمة لأمد جديد ، وربما يكون مصطلح « تدوير النفايات « اكثر أدبا ووقارا من الواقع السياسي العراقي الآن ، فلقد انكشفت الوجوه وسقطت الأقنعة وتوزعت الأدوار وفقا للأهواء الأقليمية والدولية ولا نسمة أمل لمشروع عراقي سوى زعيق قديم مشروخ ، ولعل ابرز الخسائر سيادة الاحزاب الدينية وقدرتها على احتواء وتذويب الصوت الوطني العلماني .
ولابد من التذكير بأن الشعب الذي ينتخب المفسدين هو شريك في الجريمة ولاعب اساسي في ضياع المستقبل المنشود للعراق الجديد .
لا توجد وصفة سحرية بالتأكيد فالسادة والمسؤولون يتحصنون بتمائمهم كل دورة انتخابية ، ولكننا نعول على دور القوى الوطنية الديمقراطية العراقية وطيف من الشخصيات الوطنية المستقلة القومية والدينية أيضا التي شاركت في العمل السياسي وخبرت ألاعبيه وخفاياه ، هي معنية بالبوح والتصريح والفضح لكي يكون العراقي على بينّة من أمره في الانتخابات القادمة ، إذ ليس من طريق للتغيير سوى صناديق الاقتراع ، بعد أن غادر الحل العسكري والانقلابات والبيانات قاموس الحياة العراقية الراهنة .
انتم يا من تغّمسون اصابعكم بدمكم المهدور .. اصنعوا ثورة بنفسجية ، لا تكلفكم الذهاب فرادا وزرافات الى المحرقات اليومية ، فقط قولوا « لا» لباعة المحابس والسبح ، والقرارات المشتراة ، ولمعتلي المنصات ، لناعقي الفضائيات ، لمدعي العبث بصورة العراق الديمقراطي الحر.
لابد من استثمار الافق الديمقراطي ووسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات بكل مخرجاتها التقنية الحديثة وكل من موقعه صورة وصوتا ومنشورا لدورها الخطير في قلب موازين المعادلة القارة عرقيا ومنذ 15 عاما ، ولقد ثبت بالدليل القاطع فعالية الميديا في اسقاط حكومات وانظمة وساسة وسادة معا.
المستقبل القادم يصنعه المشروع العراقي الجديد الذي يحقق مصلحة العراق أولا مع احترام وجود العراق ضمن محيطه الاقليمي والدولي وفهم معادلة التعامل المتوازن واخراج العراق من ساحة التصفيات والمصالح المتصارعة وخلق بيئة سياسية واقتصادية آمنة للعراقي أولا والآخر الشريك وطنيا والمحيط الاقليمي والدولي .
اظنها ليست معجزة بقدر ما هي وعي للحرية بوصفها ضرورة انسانية وليس ترفا وعدم التنازل عن اي مفصل في ضروريات الحياة الحرة الآمنة الكريمة