حاوره بيار سمعان
تعرف الجالية اللبنانية في استراليا انها جالية تستقبل ونادراً ما تودع. لكن الأب طانيوس غصين كسر هذه المعادلة.
هذا الراهب «الصغير» الذي انتقل من دير قزحيا الى استراليا، وصلها وهو يجهل اللغة الانكليزية، لكنه حمل في قلبه الكثير من الإيمان وفي وجدانه الاتكال على العناية الالهية، مستلهماً توجيهات السيد المسيح وايحاءات مرشده الروحي الأب الياس مارون غاريوس الذي تنبأ له ان رسالته في استراليا سوف تعطي ثماراً كثيرة منذ وصوله الى دير مار شربل على صعيد الشبيبة والعائلات واجتذاب المؤمنين.
يشعر الأب طانيوس ان الرب هو من اختاره وهو لبى الدعوة مكرساً حياته الرهبانية لخلاص النفوس ونشر لغة المحبة مؤمناً ان حياة المسيحي هي رحلة مع يسوع من جبل الزيتون الى الجلجلة فالقيامة.
اردت اجراء حديث مع الأب طانيوس، رغم انه لا يحب الكلام عن نفسه، لكنه وافق بعد ان اقنعته ان اختباره العملي والروحي يحمل اكثر من عبرة وفية اكثر من مثال حي يمكن الاقتداء به.
الأب طانيوس هو عاشق للرب يعيش كل لحظة من حياته مستشعراً وجود الله في كل مفاصل حياته…. هذا ما قاله لنا:
< اخبرنا بونا طانيوس عن حياتك الخاصة قبل الترهّب؟
> اولاً المجد لله. ثانياً يصعب على المرء ان يتحدث عن نفسه صراحة ولا مرة كنت بفكر بحياتي انو كون راهب. متل اي شاب كنت ملتزم بالكنيسة، حبيت صبية 6 سنوات وكنت اخطط ان تكون شريكة حياتي، لكن ما ورثته عن اهلي هو ارث كبير. كما كنت عضو ناشط مع الشبيبة التي اسسها ابونا الياس مارون غاريوس والتزمت بها، كانت شبيبة رائعة جداً وتحولت الى منزل ثاني بالنسبة لي ولعديدين آخرين.
مع مرور الوقت، كبر الاختبار الروحاني لدى. واحست صديقتي بميلي نحو الكهنوت وكانت تردّد على مسامعي: «انت يوماً ما يا بتعمل خوري او راحب، بتتركني وبتفل…» كان لديها احساس ان علاقتنا لن تنتهي بالزواج.
اختباراتي الروحية كانت تكبر يوماً بعد يوم، صلوات ، خلوات وتأملات مع يسوع المسيح من ساعة الى 7 ساعات يومياً. كل ساعات الفراغ وحتى عند تغيبي عن المدرسة اكون موجوداً في الكنيسة مع يسوع، يسوع هو شمس الحق. هو مصدر الدفء والنور والحياة. تحولت صلواتي الى نمط حياة كل ما اطلبه من يسوع على الصليب كنت اسعى ان اعيشه مع ذاتي والآخرين. كنت اقضي ساعات الصباح حتي الظهر داخل الكنيسة اصلي. اذهب ظهراً الى المنزل لأعود بعد الظهر لأتابع صلواتي واشارك في الذبيحة الالهية، وانا بدون طعام طوال 24 ساعة على التوالي. واقتصر طعامي على بعض الخضروات والبندورة مما تتسبب لي بآلام معوية.
الاختبار الروحي الرائع الذي عشته مع يسوع اثر على علاقتي بالفتاة التي احببت فكنا نصلي معاً حتى عندما تكون في منزلها.
عشت اختبار آلام المسيح من جبل الزيتون الى الجلجلة والقيامة لدرجة انني كنت اسمع المسيح يخاطبني: «اتحبني اكثر من نفسك».
واصبحت اشعر بجدية دعوة المسيح لي. ارتعبت . كنت افكر بالمستقبل ، الزواج والعائلة والاهل، الشبيبة هم اخوتي. كيف لي ان اتخلى عن كل هؤلاء؟
واصبحت دعوة يسوع تلاحقني طوال ساعات النهار والليل. في الصلاة والدراسة والأكل كان صدى صوته في ضميري: «هل انت مستعد ان تترك كل شيء وتتبعني؟».
مررت بفترات اصبحت اظن انني اعيش حالة من الهلوسة لكثرة الصلاة. لذا صليت في احد الايام وطلبت اليه: ياربي ان كان هذا نداؤك لي، فدعني اتحقق من ذلك. لكن يجب ان تعلم انني انسان ضعيف ولا استطيع ان اترك كل شيء واتبعك… لكن ان اردت ذلك، فأنا ايضاً اريد. انا لوحدي غير قادر ان ألبي نداءك، لكنه معك وبمعونتك اصبح قادراً. خذ قلبي الضعيف والخائف واعطني قلبك الذي لا يخاف.
صليت على هذه النية طالباً الهامات الروح القدس وشفاعة امنا مريم.. وكنت دائماً اصلي ليسوع قائلاً: يا رب انا ما بدي شوفك تا آمن فيك، بدي آمن فيك تا شوفك.
وهكذا قبل 4 اشهر من دخولي الرهبنة اتخذت القرار النهائي ان اتبع المسيح وكنت في 22 من عمري .
يسوع اظهر لي حياتي منذ الصغر وشعرت انه يقول لي: انا بدي ياك من زمان، ناديتك وانت صغير. ومنذ ذلك الحين احسست انني انسان جديد. خلال لحظة خرجت من اهلي، من الفتاة التي احببتها طوال سنوات ومن كل اصدقائي. تخليت عن العالم بكامله.
دخلت الرهبنة في تشرين الاول 2004.
< من هم الاشخاص او الاحداث الذين أثروا بك ودفعوك لكي تختار حياة الترهب؟
> بصراحة، الاهل لهم الفضل الاساس لأنهم المدرسة الاولى. المدرسة الثانية هي الرعية. اذا كان عندك اب روحي وصالح ، فهو يؤثر عليك انا اخذت الكثير من والدي، لكنه ليس هو سبب دعوتي.
الشبيبة التي اسسهاالأب غاريوس لعبت دوراً مؤثراً في حياتي. انها شبيبة ناشطة خرج منها دعوات كثيرة، ويوجد الآن اكثر من 40 عائلة لا يزالون ناشطين فيها مع ابنائهم.
لديهم استمرارية واصبح لديهم فرع اخرى في صيدا وحدث بيروت وديك المحدي وبعلبك وجسر الباشا.
بالطبع اجواء العائلة لعبت دوراً هاماً في حياتي. اتذكر اننا كنا نقيم مغارة الميلاد قبل شهر من العيد.
كنا نركع يومياً ونصلي امام طفل المغارة. وخلال الشهر المريمي كنا نسجد ونصلي المسبحة يومياً. بالاضافة الى الالتزام بالقداس والصوم . تعلمنا الامانة والقناعة.
انا ولدت في 16 ايلول يوم مقتل ودفن بشير الجميل. ارادوا تسميتي «بشير» لكن والدتي رفضت قائلة سيدعى «مطانيوس» نسبة لمار مطانيوس البادواني الذي كانت متعبدة له. والله اختارني ان اتبعه من كنيسة مار مطانيوس.
< متى ارتسمت راهباً؟
> في سنة 2004 دخلت الابتداء بعد سنتين ونصف النذر الاول وبعد 3 سنوات ونصف النذرالمؤبد. في سنة 2013تقبلت سر الكهنوت.
< ماذا كان شعارك عندما ارتسمت كاهناً؟
> عندما تشاورت مع «ابي الروحي» قال لي «ابونا غاريوس: المسيح يحتاج الى يدين وقلب طاهر كما تعلم كل كاهن يتخذ شعاراً في حياته من الكتاب المقدس.
ولطالما آمنت ان كهنوتي هو لخدمة الرب والناس. طلبت من 3 اشخاص : راهبة واخي ميشال وشخص آخر. اخترت 3 آيات وطلبت اليهم ان يختاروا واحدة اتخذها شعاراً لكهنوتي. فاختار الثلاثة نفس الآية: لا تخف، من الآن وصاعداً سأجعلك صياداً للناس. وبنعمة الرب اصبحت بعد سيامي صياداً للناس.
في دير قزحيا اسسنا مجموعة الشباب، وجمعنا شبيبة زغرتا وحدشيت وقرى اخرى.
وعندما جئت الى استراليا، العناية الالهية ارادت لي ذلك. وهي اول رسالة لي خارج لبنان.
< عند وصولك الى استراليا، ما هي الأمور التي لفتت نظرك على الصعيد الرعوي والإيماني؟
> دعني اولاً اقول ان العناية الالهية هي التي اختارتني للمجيء الى استراليا. عندما جرى اختياري، قيل لي عليك ان تختار. لكن حرية القبول او البقاء في لبنان في دير قزحيا، لأن قانون الرهبنة لا يرغم الراهب بل يقترح عليه مركزاً ما. اردتهم بالواقع ان يقرروا عني وانا اطيع. لكنهم اصروا عليّ ان اختار. فطلب وقتاً للصلاة قبل ان اجيب. صليت طوال الليل. وخلال الليل حلمت وسمعت صوت مرشدي الروحي (بونا غاريوس) يقول لي: اذهب الى استراليا. لا تخف.يسوع يريدك في استراليا.
بعد قداس الصباح اتصل بي الأب غاريوس وسألته رأيه. فأجاب: لبنان بحاجة اليك، لكن ان طلبت اليك البقاء هنا ربما نكون نخالف ارادة ربنا. واردف قائلاً: استراليا ارض خصبة، وتذكر انو الثمار التي سوف تقطفها لن تأخذ 3 سنوات او سنتين. بل ستقطفها منذ وصولك اليها. فاعترضت لأنني اجهل اللغة الانكليزية وهذا عامل لا يساعد. اجابني «تحدث لغة المحبة» كل الناس بتفهما، الصغار والكبار. وقال : «الشبيبة سوف تلتف حول الكنيسة، والعيل المفككة سوف تجمعها، باسم يسوع المسيح… «وبيت الله سيمتلئ بالمؤمنين. وتبقى تذكرني. راح يجيك وقت، مش رح تقدر تنام، وسوف تجد دعوات كهنوتية كثيرة…
بالحقيقة كل كلمة قالها لي ابونا غاريوس تحققت خلال السنوات الثلاث. لذا اقتنعت ان الرب يريدني ان اذهب الى استراليا، كما تذكرت ايضاً ان لبنان هو ايضاً بحاجة اليك».
< برأيك لماذا ارادت العناية الالهية ان تأتي الى استراليا؟
> لجميع الامور التي تحققت طوال السنوات الثلاث. كل ما قاله الأب غاريوس تحقق في حياتي خلال هذه السنوات. ان حكمة الرب هي اكبر من كل الحكم. وانا اليوم متأكد ان الرب يريد مني ان اعود الى لبنان.
< ما هي باعتقادك حاجات الموارنة والمسيحيين في استراليا؟ وما هي الصعوبات التي يواجهونها؟
> انت تعلم ان المجتمع هو «ذئب كاسر» لا يرحم، لا كبير ولا صغير، التكنولوجيا التي هي الآن بين يدي اولادنا تكلفهم حياتهم. الولد لم يعد ولداً والشاب والصبية يعيشان حالة طلاق لحالة الصبا الخاصة بهم، مراحل الطفولة تتآكل بسبب هذه التكنولوجيا. الطفل لا يعيش طفولته كما يجب، وهذا يعني انه بعد عمر معين في حياته سوف يعيش مجدداً مرحلة الطفولة في زمن يفترض به ان يكون راشداً ومسؤولاً… وهذا سيتسبّب بمشاكل نفسية وعلائقية فيما بعد.
المجتمع اليوم فيه الكثير من التحديات، ويوجد سهولة لعيش الخطيئة. فالمكان الوحيد الذي يوفر لهم فرحة للعيش دون سلطان وهيمنة الخطيئة هو دون شك الكنيسة وهي المكان الآمن والداعم والصلب، وكأنك في بحر هائج، لكنك انت داخل سفينة.
< برأيك ما هو المطلوب من الكنيسة في مثل هذه الظروف الصعبة؟
> الكنيسة يجب ان تفتح ابوابها للجميع. واتذكر هنا رواية نوح وما قاله له الرب: ادعو كل الناس للدخول الى السفينة، لأن الطوفان قريب. وقام نوح بدعوة الجميع، لكن احداً لم يصدقه.. وكان الطوفان.
الى جانب دعوة الجميع، يجب على الكنيسة ان تفتح ذراعيها لتستقبل الجميع كما فتح يسوع ذراعيه على الصليب. وهذا يعني اننا بحاجة الى «رعيان». مستعدين للتضحية. لأنه عندما تتوقف التضحية يتوقف خلاص النفوس، لأن المسيح يقول: متى ارتفعت ، جذبت اليّ الناس اجمعين. لا مجد بدون صليب. لأن جسر العبور هو الصليب ولو لم يصلب المسيح لما تمكن من خلاصنا. كذلك كهنتنا يجب ان يضحوا ليخلصوا النفوس، وبدون شهادة لا يوجد ايمان.
والى جانب التضحية عليهم ان يكونوا خداماً للشعب. فاذا كان المسيح قد انحنى وغسل اقدام تلامذته. نحن عندما نقتدي بالمسيح، فلن يبقى احد خارج الكنيسة او بعيداً عنها.
يجب متابعة زيارات المنازل والعائلات وزيارة المرضى، السهرات الانجيلية والنشاطات الروحية الدائمة في الكنائس. الشعب لا يطلب من الكهنة القيام باعمال تجارية. الكاهن هو كاهن المسيح، وعلينا ككهنة ان نقدم المسيح للشعب، هذا ما يتوقعونه منا.
العامل الاساسي لنجاح الكهنة هو في مدى الحب الذي يوفرونه للشعب المؤمن مجاناً. لأن الرب يقول: مجاناً اخذتم مجاناً اعطوا.. وما نحن الا عبيد الله لا نفع منا. الكاهن يعمل ما هو مسؤول عنه وهذا واجب عليه. لذا اقول ان اديارنا وكنائسنا يجب ان تكون كسفينة نوح لانقاذ النفوس، وان لعب الكهنة هذا الدور، فلا خوف على الكنيسة بعدئذ.
< فحص الضمير ومراجعة الحسابات هما جزء من العقيدة المسيحية كسر الاعتراف. اذاطلبت اليك مراجعة ممارساتنا ، فهل نحن ككنيسة وشعب مقرون بوجود مطبات التقصير؟
< مهما يحدث في العالم . تبقى كلمة الله حق وحياة. هذا ما اؤمن به وما التزم به شخصياً. كلي ثقة بكلمة الرب الذي يقول: العالم كله يزول وكلامي لا يزول. لذا كل ما نعيشه خارج كلام الله هو كذبه ويعاكس الحق. وكل ما يناقض كلام الرب هو موت معاكس للحياة، لأن يسوع هو الحق والحياة.
يسوع الذي قال: ابواب الجحيم لا تقوي عليها. اعلمنا اننا سوف نعاني من الضيق والاضطهاد في هذا العالم، ثم تابع وقال: تشجعوا وثقوا، انا غلبت العالم. هذا ما اؤمن به. ويسوع الذي حذرنا، هو اول من حمل صليبه ورفع علىالصليب ،خاض معركة الشهادة في سبيل احبائه.
فالشهادة هي نمط عيش، وعلينا ان نشهد للمسيح امام كل الناس، وحكاية محبة وسلام. بعد موت المسيح خاف التلاميذ واختبأوا في العلية. لكن يسوع بعد 3 ايام فتح باب القبر وقام منتصراً، فلماذا نخاف ان كان الرب معنا؟؟ في الكتاب المقدس 365 مرة كلمة «لا تخافوا» لذا يجب الا نخاف ونفقد الرجاء والإيجابية في حياتنا والفرح.
لا اريد ان ألوم احداً. ألوم ذاتي. ان كان الآخرون حولي غير قادرين على محبة يسوع لأنني انا لا اشهد شهادة صالحة عن يسوع، ولأنني لا احب بشكل صحيح ومقصر في عملي.
< فما المطلوب؟
> المطلوب ان نحمل نفس المسيح القائم من الموت. المسيح ظهر على تلاميذه 7 مرات في يوم واحد. لماذا؟ رقم 7 هو رقم الكمال. اراد يسوع ان ينزع من قلوب تلاميذه الحزن والشك ويزرع الفرح، لكي يزرع الرجاء في قلوبهم الخوف، ويزرع في قلوبهم سلطان حبه وينزع من قلوبهم اية نزعة نحو الحقد. اول كلمة قالها لهم: السلام معكم.. ثم منحهم سلطاناً لمغفرة الخطايا . خلال سنوات البشارة الثلاث كرّس مفهوم المغفرة. على الصليب غفر رغم انه كان قادراً على النزول عن الصليب ومعاقبة من صلبوه.
فالحل هو كما قال: اكرزوا باسمي للتوبة ولمغفرة الخطايا. فرحة قلب الرب هو مغفرة الخطايا. اليوم، الكاهن المتمسك بكلمة الله وهي حق وحياة ويهدف للاتحاد مع المسيح ليحول الارض الى سماء، الكاهن، برعايته للبشر اذا لعب دور الراعي الصالح، اما ان نحول الكنيسة والارض الى سماء جديدة او على العكس نحولها الى جهنم، وهذا فعل ارادي وملزم في آن واحد.
اسأل من دعا اي شخص الى الكهنوت؟
البعض يختارون وآخرون الله يختارهم. لا احد مرغم ان يتبع الله او يلبي نداءه. لكن من يسمع نداء يسوع ، فلماذا لا يخدمه مل كل قلبه؟ لماذا لا يكون مثلاً صالحاً؟
من هنا لا اريد ان اتحدث عن مشاكل الكنيسة. أن كل شيء واضح. لذا ادعو الى طرح الامور من زاوية اخرى. ماذا يجب ان افعل ككاهن لكي يبطل وجود مشكلة؟
< الرسالة التي بدأت بها هل تحققت برأيك وماذا بعد؟ وما هي دوافع عودتك الى لبنان؟
> لقد حققت ما سمح لي الله ان احققه بالطبع كان بمقدوري ان احقق المزيد، لكن في النهاية انا مجرد انسان ضعيف. محبة الناس لي وسعت اطار عملي خارج رعية مار شربل. لذا كان يطلب الي احياناً المساعدة في رعايا اخرى والتقي اناساً من هذه الرعاية طلبوا مساعدة ما.
اختباري الاول ككاهن جديد يعمل في رعية بعد ان خدمت في دير قزحيا 5 سنين امضيت 3 سنوات في استراليا كانت كافية باعتقادي لاكتسب اختباراً عميقاً هو بمثابة انطلاقة مميزة لحياتي الكهنوتية.
وانا اقول الآن ان سنة عمل جاد لكاهن في استراليا توازي عشر سنوات في اية رعية اخرى خارجها. فأنا اترك استراليا حاملاً زوادة هي 30 سنة خدمة في كهنوتي. صحيح انني شعرت بالتعب، لكنني عملت طوال هذه المدة مع شعب طيب للغاية.
ما تمكنت من تحقيقه، رغم انه غير كامل، اقدمه لمجد الرب، وآمل ان يكون راضٍ عني وانني تمكنت من زراعة محبته في قلوب الناس.
انا اترك استراليا وقد حققت ربحاً كبيراً. والشعب هو افضل شاهد على ذلك.
< وماذا بعد؟
> كثيرون يحملونني المسؤولية بعد كل الانجازات ويرددون على مسامعي: لماذا تتركنا وترحل؟ جوابي للجميع هو التالي: كمادعاني الرب ان آتي الى استراليا هو يدعوني اليوم لأعود الى لبنان. انا اذهب لوحدي وآمل الا اعود لوحدي فيما بعد.
اذا نجحنا في ما نخطط له في لبنان فسنعود ان اراد الله. حكمة الرب هي اكبر من حكمتنا وربنا هو اكرم منا جميعاً. نحن خدام رب المجد يسوع المسيح واعضاء في جسده. نحن متحدون بجسد الرب الذي نتناوله، وبكلمته التي نعيش وبروح الله التي فينا. نحن واحد في روحه وجسده وكلمته.
< نحن كمسيحيين نعيش اليوم في عالم احد مخاطره المستجدة هي التطرف والارهاب والاضطهاد المنظم للمسيحيين.
< عندما يبحث الانسان في اعماق نفسه يجد انها مطبوعة بالشريعة الطبيعية التي توصي بألا نقتل…
ان ما يحدث اليوم حذرنا عنه المسيح عندما قال: «يقتلونكم ويعتقدون انهم يقدمون ذبيحة للإله…» الاشخاص الذين يقومون بهذه الاعمال يعيشون بأزمة نفسية عميقة. لا اعتقد انهم مرتاحون، لأن الشريعة التي في داخلهم توصيهم الا يقتلوا.
اذا نظرنا بحياة المسيحيين منذ تأسست الكنيسة نجد انها مبنية على الاضطهاد. كل الشعوب اضطهدت وتضطهد المسيحيين في العالم.
لقد قال لنايسوع: سوف يضطهدونكم من اجل اسمي لكنه قال ايضاً: طوبى للمضطهدين من اجل اسمي. الكنيسة كما تعلم هي مبنية على دم الشهداء. والمسيحية هي على ما هي عليه اليوم لأن مسيحيين ماتوا لكي نبقى. واول شهيد هوالمسيح الذي علق على الصليب. كان الذبيحة التي رفعت تكفيراً عن خطايا العالم. دم المسيحيين يغسل الآن خطايا البشرية ويزرع الإيمان وليعيد الشعب الى الله بعد ان كفر بالإيمان والحق كلي ثقة ان دم الشهداء وبذار الإيمان كحبة القمح التي تموت لتعطي تمراً كثيراً.
الاضطهاد الذي تعاني منه الكنيسة هي ممارسات تخالف الحق. الله ليس ضعيفاً ليقول للبعض: اقتلوا باسمي، الله قادر ان ينفذ ما يريد بكلمة واحدة منه، وان يبيد البشرية، لكن الله الذي اوجد خليقته لا يعاكس قراره ويقتل الانسان؟؟ هذا غير معقول وغير مقبول ابداً.
< هذا كلام رائع لكنه يتعارض مع الواقع. بعض الدول العربية تكاد تخلو من الوجود المسيحي بعد ان كانت مهداً ومرتعاً متأصلاً لها؟ نشهد اليوم تبدلاً ديمغرافياً وواقعاً جيو سياسي جديد. فما رأيك ؟؟ هل تعتقد ان الشهداء الذي يسقطون يومياً سوف يبدلون هذا الواقع الأليم؟
> كلي ثقة وإيمان بذلك. وحكاية لبنان هي حكاية تختلف عن كل البلدان. الشرق كله سوف يعود، بإذن الرب، وتذكر كلامي وقول في ابونا صغير حكي. لبنان، هذا البلد الصغير، البلد الرسالة، هو مقلع للقديسين على مذبح الكنيسة الجامعة ولكل العالم. فلم يعد شربل قديس لبنان. انه حكاية فرح من لبنان الى العالم. من اصغر بلد واصغر ضيعة واصغر محبسة. اليوم شربل هو القديس المميز الذي يصنع العجائب في كل انحاء الارض.
انا اتساءل : لماذا في هذا الزمن ولماذا يخرج من بلدنا المزيد من القديسين؟؟ باعتقادي ان الرب يريد لبنان ان يكون رسالة من السماء الى كل العالم. لبنان هو حكاية الله لكل العالم. لبنان جسمه القديسون، قلبه، ارزه لبنان، اي العذراء، وهو مزنر بالقديسين والملائكة. عملياً لبنان هو ملك لله. لذا العديد من النساك كانوا يرددون: لبنان هو وقف الله على الارض واللي بيدق بلبنان عم يدق بالله».
دعني اذكر اننا مررنا عبر التاريخ بظروف اصعب بكثير. المماليك ، والفرس والعثمانيين.
نحن نقطة في هذاالشرق، والظروف الصعبة التي مررنا بها لم تقلعنا من هذه الارض.
لماذا بقي الموارنة؟ لأنو الرب يريد ابناء مارون، حكاية وخميرة في العجين. في الكتاب المقدس الرب لم يتحدث عن الكمية بل عن النوعية. قال: انتم نور العالم. العتمة كتير كبيرة لكنها لا تستطيع ان تطفئ نور شمعة واحدة. فاذا كنا نور المسيح، فمن يقدر ان يحجب نورنا. لذاعلينا ان نبقى شهوداً للحق. 12 تلميذاً غيّروا وجه العالم. في بداية الكنيسة كان العالم الوثني اصعب واخطر ممايحدث الآن من موجات تعصب.
يسوع قال ايضاً: انتم ملح الارض. الطبخة بدون القليل من الملح لا طعم لها. المسيح يريدنا ان نعطي طعماً ونكهة لذيذة للعالم، وقيمة للبشرية… انتم خمير العجين، وبدون القليل القليل من الخميرة فلا يصلح العجين. فنحن النور والملح والخميرة ننقل كلمة الحق الى العالم وهو يسوع المسيح.
فلا حق ولا سلام بدون يسوع المسيح.
سيبقى العالم في حال المخاض والألم حتى يعترف ان المسيح هو الرب.
لذا، يجب علينا نحن ابناء مارون ان نعود الى لبنان لكي نملأ تلاله صلباناً، والجبال والمغاور والوديان رهباناً.
< بونا مطانيوس، ليش راجع عا لبنان؟
> راجع لأنو الرب عم يناديني، وفي رغبة بقلبي عمرها اكثر من 8 سنوات.
< ماهي هذه الرغبة؟
> كل مرة كنت اصلي امام المسيح في القربان او امام الصليب، كنت اشعر برغبة قوية في داخلي واحس انني اسير مع رهبان مار مارون في جبال لبنان، اسجد لساعات رافعاً يدي نحو السماء، اعيش حياة نسكية، كان تلاميذ مار مارون يعيشونها، صوماً وصلاة وسجود وعشق الله.. اقوى حياة نسكية هو نسك ابناء مارون في العالم. مار مارون وتلاميذه كانوا يتنسكون في العراء. فوقهم السماء ولحافهم الارض.
حياتنا الرهبانية قد يكون فيها اختبارات مماثلة.
بدنا نرجع الى البراري ونعتصم بالصوم والصلاة، نرفع ايادينا عن الشعب الذي لا يرفع يديه للصلاة، ونصوم عمن توقفوا عن الصوم والتضحية، وان نكون ذبيحة تقدم على مذبح الحب عن الشعب. نأمل ان نعيد الحياة الرهبانية النسكية الانطاكية السريانية. نريد العودة الى الحياة النسكية التي تطبع كنيستنا المارونية، وهي بالأساس كنيسة رهبانية. انها ليست كنيسة عادية، نشأت من راهب مجنون بحب الله. لم يكن لديه سوى البرية مأوى وكلمة الله زوادة. هو ورهبانه لم يحملوا شيئاً معهم. حتى ولا كتاب لقدحفظوا كلمة الله زوادة ينقلونها معهم.
التف الشعب حول مارون، ومن هذا الشعب خرجت دعوات كثيرة. تلاميذ مار مارون كانوا ابطالاً. وبعد وفاة مار مارون اصبح الشعب يشتم رائحة مارون في تلاميذه. لهذا نحن شعب رهباني. لم نقم ابداً في المدن. كنا نتبع الرهبان اينما ذهبوا، لأننا شعب كان يبحث دائماً عن يسوع، همنا الوحيد لم يكن الأكل والشرب بل العيش مع يسوع. وهذه حقيقة تاريخية لذا اؤمن اننا اذ عشنا مع المسيح ومن اجل المسيح بعناد وعشق الله كما فعل الموارنة في السابق، بامكاننا ان نغير وجه الارض. كنيستنا هي عصب الشرق والحياة الرهابنية هي قلب الكنيسة.
فاذا كانت الحياة الرهبانية مريضة ولا تضخ النعمة والشهادة، تصبح الكنيسة مريضة لأن القلب مريض.
بالنسبة لي، الحياة الرهبانية تحتاج الى تجدد، يفترض علينا ان نعود الى العمق ونبحث عن خطى يسوع وخطى مارون لكي نعاين وجه المسيح.
< هل تعتقد ان الكنيسة اصبحت اكثر انغماساً في روح العالم وتحولت الى مؤسسة علمانية عالمية منغمسة في هموم المجتمع اكثر مما تجتذب العالم اليها؟
> بصراحة يوجد ازمة اليوم. لماذا التكاذب. هذه هي كنيستي التي احبها، وانا اعيش في قلبها.
مَن يعملون في الكنيسة يعملون بالواقع من اجلها وللتاريخ وللشعب. كلي ايمان ان الحياة الرهبانية ستعود ليس الى الاديرة فقط بل الى منازلنا وعيالنا.
لا شك يوجد الآن فساد وتأثير لروح العالم علىالكنيسة. كل ما اطلبه هو احتضان الكنيسة المارونية لنا، لكي نعيد الروحانية اليها. نريد ان نعود الى الجذور، وهذا نمط حياة كنيستنا.
< اين سيصبح بونا طانيوس بعد 10 سنوات؟
> لم افكر بهذه الفرضية. اعيش كل يوم بيومه واقول: ربي علمني اليوم ان احبك. همي الوحيد ان احبه بالقدر الذي احبني هو. لذااسأل نفسي يوماً: شوعملت اليوم يا طنسا تاتحب يسوع؟ هل احببته كفاية لكي يحبه العالم لمحبتك له؟
< كم طنسا يوجد اليوم في الرهبنة المارونية؟
> برأيي يوجد من هم افضل من طنسا. لكن يجب ان نجتهد لنصبح مجدداً ابناء مارون نضحي من اجل خلاص النفوس ومجانين بحب الله.
< هل من كلمة اخيرة توجهها للشبيبة والكنيسة والمجتمع الماروني..؟؟
> الكنيسة هي ام. ومن لا يتخذ الكنيسة اماً له، فالله ليس اباه، بيت الموارنة هو الكنيسة. ومن يحافظ على الكنيسة يحافظ على خدامها، رهبانها وكهنتها، يحافظ على امه. ومهما شاخت او اخطأت تبقى هي الأم التي يجب احترامها ومحبتها.
على الشبيبة وكل المؤمنين ان يتابعوا مابدأناه مع آخرين. لأنه من الضروري ان تبقى الكنيسة مليئة بالمؤمنين والمصلين وان نبقى مجتمعين حول جسد المسيح. الهنا حي بوسط شعبه وفرحته تكون كبيرة عندما يكون شعبه مجتمعاً حوله.
وصيتي لشباب استراليا ألا يبتعدوا عن بيت الله والا يتركوا الكنيسة المارونية. واقول المارونية لأنني اتوجه الى الشباب الماروني هنا، وهذه الدعوة موجهة للمسيحيين عامة الا يتركوا كنائسهم.
يسوع يقول: وصيتي لكم ان تحبوا بعضكم بعضاً كما انااحببتكم. انا احببتكم من احضاء المسيح وفرحتي تبقى كبيرة عندما تحافظون على هذه المحبة، وان تحافظوا على كنيستكم وكهنتكم وعائلاتكم، وان تكونوا دائماً صانعي سلام مثل معلمنا يسوع الذي يقول طوبى لصانعي السلام. فالمسيرة مع الله، اولها حب وداخلها حب وآخرها حب.. والانسان الذي يبحث عن الحب هو ايضاً صانع سلام.
اطلب من الجميع ان يذكروني في صلاتهم، وكلما ذهبوا الى لبنان اتمنى ان يمروا عليّ لرؤيتهم والاطلاع على اوضاعهم.
وأنت كمان بونا طانيوس، اذكرنا في صلاتك.