بقلم بيار سمعان

في مبادرة لافتة اراد من خلالها بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية، البابا تواضروس الثاني اعلان حسن نوايا المسيحيين وتشديدهم على العيش المشترك والمواطنة المتعمقة في نفوس الاقباط، اعلن البابا تواضروس الثاني من روسيا التي زارها منذ اسبوع عن تبرعه بالجائزة التي حصل عليها من «صندوق وحدة الشعوب الارثوذكسية» لبناء مسجد وكنيسة في العاصمة الادارية الجديدة بمصر.

لكن جاءه الرد سريعاً بعد ان قامت مجموعة ارهابية باستهداف باص للاقباط في منطقة المنيا في مصر. واطلق الارهابيون النار على اوتوبيس وسيارات مرافقة فقتل 26 شاباً وطفلاً وجرح العشرات (28).

وجاءت هذه المجزرة في مطلع شهر رمضان  المبارك، وهو شهر التوبة والصوم وطلب المغفرة وفعل الخير والاحسان الى المعوزين. وذكر شهود اصيبوا في الهجوم ان المسلحين وزعوا عليهم منشورات مطبوعة كتب عليها ما يلي:

«صوماً مقبولاً وذنباً مغفوراً.» وطلب الى الاقباط الواحد تلو الآخر ان يقولوا الشهادتين، واعتناق الاسلام، لكنهم رفضوا وفضلوا الموت على اسم المسيح.

ويبدو بالنسبة لبعض الاصوليين  ان قتل المسيحيين هو افضل من الصوم، لذا قرروا بدء شهر رمضان بسفك دمهم «ارضاء لإله لا يرضى الا بذبائح دموية» على حد تعليق المفكرة ايمان نبيل التي تابعت قائلة. نحن لا نلوم الارهابيين كأفراد لأنهم اداة في يد نظام ديني ومؤسسات دينية قائمة على التكفير وتحليل دم المشركين وغير المؤمنين…

هكذا، وبكل دم بارد، تجرد الارهابيون من كل المشاعر الانسانية واطلقوا النيران على سيارات وحافلات تنقل اطفالاً وشبان وعائلات في طريقهم لزيارة دير الانبا صموئيل في المنيا. واصبح اقباط مصر «فشة خلق» لكل من يرغب بالتعبير عن مشاعر الكراهية لديه حسب المناهج التكفيرية والتثقيف المتطرف الذي خضع له. كما هم ضحية النظام السياسي  والقضائي الذي يكتفي باطلاق بيانات الشجب والادانة دون اتخاذ اية تدابير عملية تشعر الاقباط والاقليات الاخرى انهم مواطنون مصريون يتمتعون بالمساواة مع المسلمين وتضمن الدولة حمايتهم وتتخذ تدابير وقائية تحفظ سلامتهم…

< ردود فعل شاجبة.

ولم تمر هذه الحادثة الأليمة دون اثارة ردود فعل من مفكرين وصحفيين احرار وغير متزمتين. فكتب سعيد شعيب تحت عنوان: انا مسلم واكره المسيحيين قائلاً: نعم، كراهيتهم (المسيحيين) هي واجب ديني ، واحتقارهم ضرورة. فهم ليسوا من طينة البشر. اما ان يُهجرهم خارج بلاد المسلمين او يقتلوا. واذا كنت مسلماً كريماً فتتركهم يعيشون، لكن مذبولين، مهانين، يدفعون الجزية وهم صاغرين… هذا بوضوح جزء اساسي من الثقافة الدينية الاسلامية.

ان نصدق ان الطريق الى الجنة يتطلب منا، طبقاً لما امرنا الله، سبحانه وتعالى ، ان نكره ونهين ونؤذي ونقتل، ونهجر ونعتدي على اعراض غير المسلمات ونسبيهم ونبيعهم كالبهائم…»

واستنكر الكاتب الآيات والاحاديث الصريحة التي تحرض على القتل والارهاب ضد الآخر، أيّا كان، بما فيه المسلم المختلف.

واتهم سعيد شعيب كل من يقف ضد اصلاح الاوضاع من سلطات دينية وسياسية انهم بالواقع اعداء للانسانية.

< موقف مسيحي ضد السيسي

ولم يكن سعيد شعيب المسلم الوحيد الذي وجه انتقادات حادة للثقافة الاسلامية السائدة في اجواء نظام سياسي يتغاضى عما يجري. بل شاركه مفكرون وأئمة اعلنوا عن امتعاضهم واستنكارهم لمسلسل الارهاب الذي يتعرض له الاقباط بشكل يومي منظم.

غير ان اللافت هو التحول في مواقف بعض الاساقفة ورجال الدين المسيحيين الذين حافظوا حتى الأمس على مشاعر المسامحة والمحبة والدعوة الى تغليب المصلحة الوطنية على اليأس والانتقام عملاً بقول السيد المسيح: «من ضربك على خدك الأيمن، فدر له الآخر.. واحبوا اعداءكم وباركوا لاعنيكم…»

وقد يكون تعليق الأب مرقص خليل يحمل دلالة واضحة على التحول الجذري في مواقف المسيحيين في مصر من حكم السيسي. وتساءل الأب مرقص قائلاً: اين رئيس الجمهورية وما هو حقيقة موقفه بعد ان وصلت الأمور الى درجة السوء المطلق؟

وربط ما يجري من اعتداءات متكررة ضد الاقباط بمواقف هؤلاء من النظام الحالي ودعمهم للرئيس السيسي وانهم يدفعون ثمن مواقفهم من الأخوان المسلمين.

وشكّك الأب خليل بمصداقية النظام القضائي الذي حكم على اطفال اقباط يبلغ عمر اصغرهم عشر سنوات بسبب  مسرحية قدموها في مدرستهم، واعتبرها النظام والقضاء انها تسيء الى الوحدة الوطنية والاديان . وحكم عليهم بالسجن مدة 5 سنوات. واتهم القضاء انه اصولي واخواني باحكامه لأنه لا يلاحق من يكفرون علانية المسيحيين ويتهمون  عقيدتهم بالفساد، ويدعون بصراحة الى قتل الاقباط وتدمير كنائسهم. كما اتهم الرئيس السيسي مباشرة بخيانة المسيحيين والسكوت على قتلهم.

ووجه كلاماً مباشراً الى رئيس الجمهورية متسائلاً: «اين انت؟ الأمور وصلت الى أسوأ الاوضاع. واتهم السيسي انه أسوأ رئيس جمهورية. انخدع الاقباط بمصداقيته. لقد دخل الحكم عن طريق الخداع، وانه يربي فيه الخيانة… انه يتمايل على كرسي الحكم ضاحكاً والاقباط يذبحون. الاقباط الذين اوصلوك الى الحكم ودفعوا اثماناً باهظة من الاخوان بسببك.. انك اسوأ رئيس جمهورية حكم مصر.

وتساءل الأب خليل: «من يدير البلد، «أهو حزب النور او السلفيين او الأزهر؟ ربما الثلاثة معاً. واتهم السيسي انه لا ينطق بكلمة الا بأذنهم، وهو لم يصدر حتى الآن اي قرار وجرى احترامه ولم يطلق تعهداً الا ونفذ عكسه. فالكنائس التي احرقت بعد تعهده باعادة اعمار الكنائس التي تعرضت للارهاب هي اكثر مما جرى اصلاحه. ووجه اليه سلسلة من الانتقادات اللاذعة متهماً اياه انه يعمل لصالح السيسي وليس لصالح الوطن  واتهمه بالخيانة والفشل والعمالة مؤكداً ان الاقباط لن يعيدوا انتخابه مهدداً ان هذه هي ولايته الاخيرة في الحكم لأن الناس اصبحت تعرف من هو السيسي، والاقباط يعرفون حقيقة توجهاته، كذلك المسلمون العقلاء والوطنيون يدركون ذلك. كما اتهمه بافقار المواطنين والقضاء على الطبقة المتوسطة.

وهدّد الأب مرقص خليل ان الاقباط يفكرون جدياً باعتماد اسلوب جديد في الدفاع عن النفس، لأن رسائل المغفرة والمحبة فقدت معانيها مع اناس يحركهم الخبث والحقد وسفك الدماء.

وشنّ المذيع محمد الدسوقي حملة عنيفة بالنيابة عن مسيحيي مصر. ودعا الشعب المصري للوقوف «وقفة الرجال» ومنع ارهاق دم الأخوة الاقباط، وقفة تقطع يد كل من يتطاول على المسيحيين او اي مواطن مصري… لقد حان الوقت للاعتذار وطلب السماح لاخوتنا الذين كفرناهم.

< الوضع الاسترالي:

وفيما تشهد الساحة المصرية والعالم اجمع ردود فعل عنيفة حول الهجمات الارهابية ضد الاقباط العزل تساءل المذيع آلن جونز  مستهجناً صمت القادة المسلمين وعدم ادانتهم لحادثي تفجيري مانشستر او المينا في مصر. وانتقد مناهضة المسلمين لمشروع قانون  تعديل المادة 18C من قانون التمييز العنصري وصمتهم المدقع حيال مجزرة المينا ومجازر اخرى وهذا هو قمة التمييز العنصري والحقد ورفض الآخر، ورأى في ذلك ازدواجية المعايير وتناقض المفاهيم لدى معظم المسلمين…؟؟

ان انتقاد رجلي دين مسيحيين للنظام ولرئيس البلاد يشير دون شك الى ان  مرحلة جديدة تدخلها مصر. فان لم يعيد الرئيس السيسي تقييم مواقفة وإداء المؤسسات والاجهزة الحكومية، فان مصر ستدخل دون شك مرحلة جديدة من النزاع الاهلي. وهذا ما يُريده المخططون لاقامة شرق اوسط جديد.

صيام مبارك