روبير فرنجية

ندرك أننا جراء ما نكتبه سنتهم بالعنصرية والتقوقع والتعصب الوطني البشع. ندرك اننا سننصح بالخضوع لدورات تثقيفية في الانفتاح والحفاوة والعروبة التراثية. لا شك اننا في لبنان ننشد كلما ظهر الغريب وأطل زائر مع الفنانة الكبيرة سميرة توفيق: للضيف مفتوحة منازلنا.
نزغرد في الاستقبال ونبالغ بالحفاوة وننثر الالقاب والشهادات على الضيوف مهما طالت اقامتهم ألم يقل شاعر الشعب المرحوم عمر الزعني يوما: «كل شي فرنجي برنجي؟». لا شك انه لو نظرنا الى باب الجارة ومصدرة «باب الحارة» لوجدنا سوريا مقلعا حقيقيا للدراما العربية الجيدة والتي قاومت التراجع في ظروفها الامنية الصعبة ونوعية الانتاجات الدرامية في سوريا جعلت الدراما المصرية تغار منها .
لكن الذي تشهده مواقع التصوير اليوم في لبنان وفي الانتاجات اللبنانية لا يمكن السكوت عنه وتسليط الضوء عليه لا يعني اننا من أصحاب الاعين الضيقة او اننا من جماعة وقماشة «نكره الضيف وزوادته». هل اذا أشرنا الى ان احد مدراء الانتاج السوريين وهو من المبدعين في كل مسلسل لبناني درامي يتولاه بلبنان يشجع اليد العاملة التقنية السورية ويقنع سعادة المنتج ان عامل الاضاءة السوري ادنى سعرا من اللبناني، وان المصور السوري أكثر احترافا وأفضل سعرا وان الحلاق السوري اكثر التزاما وان المسؤولة عن الاكسسوار والثياب السورية اكثر ذوقا من اللبنانيين؟
هل نغمض أعيننا على ما قام به احد التقنيين السوريين الكبار في مسلسل لبناني لشركة انتاج لبنانية حين أوعز للعمال بان تكون وجبة غداء بطل المسلسل وهو سوري من أفخم المطاعم فيما طعام البطلة وهي لبنانية من صنف السندويش؟
البطل تحجز له اجمل الغرف وفي أفخم الفنادق وباقي الممثلين اللبنانيين ينامون بالطول والعرض في الشاليهات الشعبية. هل نسكت حول استبعاد المخرج اللبناني الذي قرأ النص وقام بتقطيعه ثم سحب منه وتمت الاستعانة بمخرج سوري بحجة «بيشيل العمل أسرع من اللبناني» وهو لا يتردد بالتطفل على الكاستينغ، ويوعز الى المنتج ان ممثلات لبنان في ادوار الامومة غير مقنعات وعليهم استيراد ممثلات من سوريا ويصدق المنتج هذا التذاكي ويبرر ان الممثلة اللبنانية في الادوار المساندة كثيرة الطمع ولا يعجبها العجب.
الامثلة كثيرة ووفيرة ولا تحتاج الى براهين فبالأمس القريب حفرت كاتبة سورية لسيدة لبنانية تعيش من خلال عملها في القطاع الدرامي وتحضر وجبات يوم التصوير لتعيل عائلتها واستغنى حضرة المنتج «الجنتلمان» عن خدماتها ووظف ابنة خالة الكاتبة التي تسكن في بيروت بعد ان نزحت من سوريا وقيل انها أفضل من طبخ في صافيتا والساحل السوري كله.
لسنا ضد الحفاوة واحترام أصول الضيافة ومساعدة النازحين الطيبين، وكذلك لسنا من الذين يحتجون على التبادل الثقافي بين الشعوب والبلدان، ولا نتمرد على مقولة ان الابداع ليس له هوية، لكن لن نسكت عن البطالة اللبنانية في الدراما الوطنية، ولا نقتنع ان طاقات لبنان التقنية يجب ان تهاجر الى دبي وقطر والاردن، للبحث عن فرصة عمل لان بعض شركات الانتاج اللبنانية قررت ايجاد فرص عمل لليد الدرامية السورية التي تهجرت من بلادها بسبب الحرب الدامية.
لقد عشنا مرارة الحرب والهجرة واللجوء والنزوح وفتحت سوريا ذراعيها لعدد من النجوم والنجمات مثل بيار داغر واحمد الزين وورد الخال ونادين نسيب نجيم وعمار شلق وغيرهم، لكن حفاوة «الشقيقة» لم تجعلها تستبدل حضور القديرة منى واصف في مسلسلاتها بحضور القديرة وفاء طربيه، ولم تستبدل قصي الخولي بيورغو شلهوب، ولم تستبعد صباح الجزائري من اجل وداد جبور، ولم تطرد المخرجين السوريين من اجل انطوان ريمي وميلاد الهاشم وايلي سعادة.
قيل لنا أن رؤساء جمعيات تجار لبنان حين عانوا من عشوائية فتح ضيوف لبنان محلات تجارية على حساب لقمة التجار اللبنانيين شكوا الامر لوزير العمل محمد عبد اللطيف كبارة المعروف بلقب «أبو العبد». لكن مشكلة الدراما اللبنانية التي استبعدت الطاقات اللبنانية لتشغيل الطاقات السورية تختلف بمضمونها، فلمن نرفع الشكوى والصرخة لمعالي وزير الثقافة؟ او معالي وزير السياحة؟ للنقابات الفنية؟ النقابات الفنية تنقل الشكوى لمن؟ المجلس الوطني للاعلام؟ المجلس الاعلى اللبناني – السوري؟ او ان الشكوى لغير الله مذلة!