بقلم / هاني الترك O A M
كان الأربعاء الماضي هو اليوم الوطني للقانون.. وبهذه المناسبة لديّ قصة شخصيّة مع القانون وقعت في بداية فترة استقراري في استراليا عام 1972 أودّ سردها للقرّاء لأن فيها عِبَر:
إثر حصولي على رخصة القيادة بدأتُ أقود سيارتي متجاوزاً السرعة مسروراً بها.. وكنتُ جاهلاً بالقوانين وخصوصاً قانون قيادة السيارات.. وكنتُ أتعثر باللغة الإنكليزية.
ذات مرة أمسك بي شرطي وقد تخطيتُ السرعة القانونيّة في القيادة وأراد أن يسجل مخالفة في حقي بغرامة قيمتها خمسون دولارا ويسحب رخصة القيادة.. سألني لماذا أنت مسرع في القيادة؟ قلتُ له كذباً:
إن أختي مريضة وأودّ أن أراها.
ففكر الشرطي بمكر وقال لي:
حسناً سأذهب معك إلى منزل أختك فإذا كانت فعلا مريضة لن أخالفك ولكن إذا لم تكن مريضة فسوف أسجل المخالفة في حقك.. وطلب مني عدم التحدث معها باللغة العربية حين أصل إلى منزلها.
بعد وصولنا منزلها قالت إنها ليست مريضة.
هنا أصرّ الشرطي على تسجيل مخالفة لتجاوز السرعة غرامتها خمسون دولارا وهو مبلغ كبير في ذلك الزمن وكان يعادل أجرة عملي طيلة الأسبوع.. إضافة إلى ذلك أنني في حاجة إلى رخصة القيادة للذهاب لعملي.
فقلت له بالإنكليزية المتعثرة وبمكر أيضاً: يمكنني إعطاؤك خمسين دولاراً نقداً لا أملكها الآن في جيبي على أن أعطيك إياها على دفعات كل أسبوع.. فيمكنك أن تأتي إلى مكان عملي في المصنع وأعطيك خمسة دولارات كل أسبوع.. لكن لا أريد منك سحب رخصتي لأنني أحتاجها للوصول إلى عملي.
ووافق الشرطي وأعطيته عنوان عملي في المصنع وأصبح يأتي كل أسبوع للحصول على « الرشوة» إلى أن انتهت قيمة الغرامة، وذهب كلٌ منّا إلى حال سبيله.
ولّت تلك الأيام وذهبتُ للعيش في منطقة أخرى حيث تزوجتُ وتحسنت أمور حياتي وأصبحت أفهم وأقرأ الإنكليزية .. وذات يوم بعد مرور ثلاث سنوات من تلك الحادثة ذهبت إلى تلك المنطقة التي حرّر فيها الشرطي مخالفة في حقي.. وعرجت على النادي المجاور للترفيه وتناول العشاء .. بدأت في اللعب على آلة البوكر وفجأة لمحتُ هذا الشرطي يراهن على آلة البوكر المجاورة لي.. فالتفتُّ إليه وقلتُ له بالانكليزية الواضحة: هل تذكرني؟ فلاحظت أن ملامح وجهه قد تغيرت وأصيب بالتوتر فقال لي : نعم أذكرك.
وتوقفتُ عن الحديث معه وتركته في حاله حيث عرف كلٌ منّا أنه قد خرق القانون منذ سنوات مضت مع أن التبعية القانونية على كاهله أكبر من مسؤوليتي بصفته شرطياً يعلم وينفذ القانون.
ومرّت السنوات ودرستُ الإنكليزية وتحسنت لغتي وتخرجتُ من الجامعات الاسترالية وعملت في مجال القانون كباحث للقضاة في المحكمة العليا في ولاية نيو ساوث ويلز وتدرّجتُ لمنصب مدير مكتبة وزير الادعاء العام.. وتوسع استيعابي وفهمي للقانون بشكل كبير.
هنا أقول إن جهل المهاجرين الجدد بالقانون لا يعفي من تهمة الضلوع في جريمة. ولو حصلت معي تلك الحادثة الآن لابلغت الشرطة عن ذلك الشرطي الذي ورّطني أنا الذي كنت جاهلا بالقانون في ذلك الوقت.. والعِبرة أن الجهل بالقانون لا يبرر خرقه.