مجلس الوزبدا واضحاً أمس الاول ان الحكم والحكومة لم يكن أمامهما سوى خيار استيعاب الصدمات لتخفيف تداعيات ملفين ثقيلين على الأقل هما احتدام أزمة قانون الانتخاب في ظل الموقف الدراماتيكي الاخير لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون من قانون الستين والالتباس الذي اكتنف الموقف الرسمي اللبناني من «اعلان الرياض». وتبعاً لذلك شكّل التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس الاول تحديداً مفاجأة لكثيرين لان بند التجديد لم يكن مدرجاً على جدول أعمال مجلس الوزراء الذي عقد جلسته في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون. لكن توقيت اتخاذ قرار التجديد باجماع الوزراء وبعدما طرحه رئيس الجمهورية بناء على تمني رئيس الوزراء سعد الحريري في الخلوة التي جمعتهما قبل الجلسة اكتسب دلالات بارزة لم تقف عند البعد المالي والمصرفي فحسب بل تمددت نحو الابعاد السياسية.
ذلك ان سلامة بتجديد ولايته حاكماً لمصرف لبنان ست سنوات اضافية حطم الرقم القياسي في منصبه الذي أمضى فيه 24 سنة ستضاف اليها الولاية الجديدة بما يعني انه اقدم حكام المصارف المركزية في العالم. لكن تجديد ولايته امس لم يأت نتيجة قرار سهل ومسلم به من الجميع مع انه جاء باجماع مجلس الوزراء، فقد مرّت شهور عدة منذ ما بعد بداية العهد الجديد وكانت المحاولات للتجديد لسلامة تواجه بصعوبات معروفة لدى العهد وبعض الجهات القريبة منه. وكان موضوع التجديد اتخذ طابعاً طارئاً في الفترة الاخيرة في ظل تعاظم المؤشرات السلبية لضغوط على الواقع الاقتصادي والمالي، الأمر الذي أثار مخاوف جهات سياسية ومصرفية واقتصادية شكلت اكثرية ضاغطة بقوة من أجل استعجال هذا التجديد كخطوة تهدئة وطمأنة للاوساط الاقتصادية والاستثمارية من جهة والمجتمع الدولي من جهة اخرى. هذا البعد ربط التجديد لسلامة أمس بموضوع الاستقرار المالي والمصرفي وكذلك بموضوع تحصين هذا الاستقرار أمام امكان توسيع العقوبات الاميركية على «حزب الله». فعلى رغم ما نقله الوفدان النيابي والمصرفي اللبنانيان اللذان زارا واشنطن أخيراً من مؤشرات مخففة للقلق حيالها، فان ذلك لم يلغ المعطيات المثيرة لقلق مستمر لدى اكثر من جهة معنية بهذا الملف.
اذاً لم يكن التجديد لحاكم مصرف لبنان معزولا عن المناخ الضاغط والساخن الذي يحكم البلاد والذي تصاعدت مؤشراته في الساعات الثماني والاربعين الاخيرة في ظل الانسداد المخيف لازمة قانون الانتخاب. هذا المناخ انعكس كما أكدت مصادر وزارية تهدئة لافتة في جلسة مجلس الوزراء حيث عبر الوزراء عن مواقفهم من الملفات والقضايا التي طرحت بطريقة هادئة جداً بدت متناغمة مع الكلمتين الهادئتين لكل من الرئيس عون والرئيس الحريري. وقد أثار رئيس الجمهورية موضوع قمة الرياض مشدداً على «اننا ملتزمون ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري «. كما تناول ملف قانون الانتخاب، مشيراً الى انه «لا تزال لدينا مهلة حتى 20 حزيران للتوصل الى قانون انتخاب جديد ولن نترك أي فترة تمر يكون فيها فراغ في مجلس النواب وهدفنا في المرحلة الراهنة هو التوصل الى قانون جديد». بينما تحدث الرئيس الحريري عن التزام لبنان ميثاق جامعة الدول العربية وقال ان اعلان الرياض «ليس ملزما وما يهمنا هو وحدتنا الوطنية»، مشدداً على التزام خطاب القسم والبيان الوزاري. ثم دعا الى الوصول الى قانون انتخاب جديد «بشتى الوسائل لان عدم التوصل الى اتفاق يضع اللبنانيين في مكان لا يرتضي به أحد ولا سيما لجهة الفراغ أو العودة الى قانون الستين».
راء مجتمعاً في بعبدا أمس (ريشار سمّور)
أمّا وقد أجمع السياسيون على انّ الوصول الى قانون انتخابي جديد قبل 20 حزيران صار محكوماً بالضرورة القصوى تجنّباً لما هو أسوأ، فإنّ أقلّ الايمان السياسي هو الاستجابة لما يدعون اليه ولتحذيراتهم والجلوس على الطاولة واستغلال ما تبقى من ايام فاصلة عن انتهاء ولاية المجلس النيابي والشروع في محاولة جدية وصادقة لتوليد القانون الذي احتلّ بامتياز لقب «القانون الإنقاذي».
هذه الاستجابة هي المطلوبة اولاً وبإلحاح من السياسيين، وكذلك نزول بعضهم عن شجرة المزايدات والشعارات الكبيرة، وتوقّف بعضهم الآخر عن عرض العضلات في حلبة عضّ الاصابع. في هذه الحالة فقط يمكن القول انّ الطريق الى قانون جديد صارت سالكة وآمنة. ولكن من سيبادر الى الخطوة الأولى بإطلاق النقاش الأخير وإعادة لغة الكلام التوافقي والتوفيقي المعطّل؟

هي بالتأكيد، كما تقول مصادر سياسية ، مسؤولية الجميع، ليتنادوا الى الفرصة الأخيرة في ما تبقى من وقت، لتجنيب البلد كؤوساً مرّة، عبر مقاربات وأفكار عاقلة ومسؤولة، وليس بالاسطوانة السابقة التي تكرّر ذات الصيغ التي جُرِّبت وذات الفشل الذي أحاطها.

ولكن في هذه المسؤولية الجماعية، يبرز الدور الاول لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يستطيع أن يدعو الى حوار فوري، ويشكل قوة الدفع نحو نقاش مُنتج يخرج القانون الى النور، وهو أمر لم تؤكده او تنفه اوساط وثيقة الصلة به واكتفت بالقول: «لا شيء جاهزاً بعد». وكذلك يبرز ايضاً دور رئيس الحكومة ومن خلاله الحكومة، وليس عبر لجنة وزارية تبدأ جلساتها بعرض إنتخابي عام وتنتهي بتمنيات.

المشهد الانتخابي بات يتطلب مقاربات جديدة، خصوصاً انّ التلويح بالعودة الى «الستين» أربك الداخل، وقوبل برماية بالذخيرة السياسية الحية لِما تشكله تلك العودة من عبور البلد الى الوراء بمسح لكل الموبقات التي تعتري هذا القانون، وكذلك لما يواكبها من عبور آخر الى ما تعتبره شريحة واسعة من اللبنانيين المجهول والسقوط في الفراغ.

في الحراك الانتخابي زار النائب جورج عدوان رئيس الحكومة سعد الحريري في حضور نادر الحريري، فيما لم تستبعد مصادر مواكبة لملف الانتخاب حصول تواصل بين عدوان ورئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال الوزير علي حسن خليل.

واكد عدوان انّ الاتصالات ستنطلق، عاكساً إيجابيات بقوله: «نقترب من الوصول الى قانون»، ناعياً «الستين والتمديد والفراغ». وقال: «لن نذهب الى أي منها لأنها تشكل خطراً على الدولة والعهد والحكومة»، مشيراً الى انّ الاكثرية الساحقة سلّمت بالنسبية «ويبقى ان نضع لهذا النظام قواعده وضوابطه».

«حزب الله»

ولم تقطع مصادر قريبة من «حزب الله» الأمل في إمكان التوافق على قانون نسبي قبل 20 حزيران، وهو ما سيؤكد عليه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه اليوم بمناسبة عيد التحرير.
وقالت: «صار من الضروري والواجب ان يقترن القول بالفعل، اذ ما زال هناك أمل بالوصول الى قانون وينبغي التحرك في هذا الاتجاه، وثمّة إمكانية متوافرة للحسم السريع لبعض النقاط ولا سيما منها الصوت التفضيلي وسُبل استخدامه، وكذلك حجم الدوائر وتقسيمها.

ينبغي التعجيل في بتّ هذه النقاط، بما يمكّننا من ان نصل الى قانون لا يكون مفصّلاً على مقاس أحد، المطلوب هو الوصول الى هذا القانون فنوفّر على البلد الذهاب الى مشكلة كبرى».

مجلس وزراء

وكانت جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في بعبدا، أمس الاول، محطة تقييم لملف الانتخاب ولتأكيد الذهاب الى قانون جديد، وايضاً لتقييم بيان قمة الرياض وللتأكيد بأنه غير ملزم للبنان. وبحسب مصادر وزارية كانت الجلسة هادئة تناغم فيها موقف الوزراء مع رئيسي الجمهورية والحكومة وخصوصاً حول بيان الرياض وتأكيد الالتزام بخطاب القسم وبالبيان الوزاري، وحول ملف الانتخاب.

ودعا الوزير طلال ارسلان الى تعميق الحوار معتبراً انّ ما قاله عون عن العودة الى الستين هو ضربة كاملة للعهد. واكد الالتزام بالبيان الوزاري وان لبنان ليس جزءاً من اي محور، وقال: لبنان يتمتع بعلاقة مميزة مع السعودية وكذلك مع ايران، وهو مهدد بعقوبات وهذا لا يواجَه الّا بتماسك داخلي، علماً انّ استهداف المقاومة له أثر على الوضع العام ويهدد الوضع المالي والاقتصادي والسياسي.

وامّا الوزير علي حسن خليل، فقال: لا نزيد شيئاً على كلام فخامة الرئيس ودولة الرئيس. واكد «اننا حاضرون لبحث أي صيغة ومبادرة للحوار حول قانون الانتخاب. وهذه الجلسة هي الاخيرة قبل انتهاء الدورة العادية لمجلس النواب ويمكن فتح دورة استثنائية بغية الاشارة للبنانيين الى انّ ابواب الحوار مفتوحة في موضوع قانون الانتخاب».

وهنا أكّد عون: لن يكون هناك من فراغ لمجلس النواب. فيما اكد الحريري «انّ هناك فرصة حقيقية لإنجاز قانون انتخاب ويجب الّا نعود الى الوراء». ثم قال: انّ لبنان لا يُحكم بما يقوله الآخرون، إعلان الرياض صدر بعد انتهاء المؤتمر وعودة الوفد اللبناني. وبالتالي، إنّ لبنان لم يكن مشاركاً في هذا الإعلان. الوحدة الوطنية هي الاهم والبيان الوزاري هو الاهم والايجابية الموجودة مهمة وعلينا تحييد لبنان.
وطلب الوزير علي قانصو اتخاذ موقف يرفض قرار قمة الرياض ويدعم المقاومة، وقال: «أتعجب لماذا غيّر رئيس الجمهورية رأيه بالنسبية علماً انه كان متقدماً في هذا الموضوع. لا يجب ان يكون هناك فراغ نيابي، وتقسيم لبنان الى 15 دائرة مع النسبية هو الحد الأدنى ونتمنى ان نصل الى هذا الحد.
وردّ عون: كلامي كان جواباً مشروطاً على سؤال ماذا لو لم نصل الى قانون إنتخابي… وسأتدخل في اللحظة الاخيرة.

وقال فنيش: الموقف الذي سمعناه في السراي خلال الجلسة الماضية أعطانا ثقة بموقف دولة الرئيس وما سمعناه اليوم يُعيد التأكيد على الموقف. ونحن غير معنيين بإعلان الرياض ومتمسكون بالبيان الوزاري. لسنا جزءاً من النزاعات الاقليمية وغير معنيين بالسياسة الاميركية ولا نقبل ان توصَف المقاومة بالارهابية.
أضاف: يجب أن نتلافى تداعيات عدم الوصول الى قانون انتخاب، ونتمنى على فخامة الرئيس أن يرعى هذا الامر بما تعوّدنا عليه من حكمة.
في نهاية النقاش، طرح عون من خارج جدول الاعمال التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فتمّ ذلك بالاجماع.

المشنوق

وقال الوزير نهاد المشنوق: لست أنا من سيدعو مجدداً لإجراء الانتخابات، إنما سيكون هذا من مهمة مجلس النواب. هناك متّسع من الوقت والمساعي مستمرة وسيُصار الى فتح دورة استثنائية لاستنفاد كل الجهود، امّا اذا لم نصل الى قانون انتخاب قبل 20 حزيران فليس أمامنا سوى شهر ايلول والستين».

وعن عودة أهالي الطفيل الى بلدتهم، قال: لا نزال نعمل على ترتيب الامر وسنحدد تاريخ العودة في اليومين المقبلين بعد اتخاذ كل الاجراءات التي يقوم بها الجيش اللبناني، وهناك مسألة أساسية هي تزفيت الطريق لأنّ السيارات حتى المجهّزة لا تستطيع المرور.

بوعاصي

وقال الوزير بيار بوعاصي: «يجب الّا نستسلم قبل انتهاء المهل، هناك متّسع من الوقت واذا كان هناك جدية وقرار سياسي سنصل الى قانون جديد من حق اللبنانيين الحصول عليه ولسنا وحدنا كفريق سياسي مَن يحدّد شكله فعلينا التفاهم مع الجميع وخَلق دينامية معينة ولو أصبح الوقت ضيقاً جداً لكننا سنظلّ بهذا النفس الايجابي حتى آخر لحظة. اما اذا لم نصل الى قانون جديد فيجب ان يستمر البلد والمؤسسات ولكل حادث حديث».

حمادة

وعمّا اذا كان «التقدمي الاشتراكي» ارتاح نسبياً بعد إحياء الستين، قال الوزير مروان حمادة: «لم نُناد مرة بالستين، على العكس، سرنا بكل القوانين المختلط والنسبي وتقسيم المحافظات. الأمر الوحيد الذي رفضناه وما زلنا هو التأهيل على أساس طائفي. لننتظر، فلا شيء محسوماً حتى الآن».

عز الدين

وقالت الوزيرة عناية عز الدين: «حذّرنا في الجلسة الماضية من إثارة اي موضوع في الرياض لا يتوافق مع ثوابتنا الوطنية ويحدث شرخاً داخلياً، وأبدينا مخاوفنا حيال ذلك، وكان هناك توضيح انّ هذا الامر لا يمكن ان يحصل اليوم.
طلبنا من مجلس الوزراء ان يصدر بياناً يوضح فيه ذلك، لأنّ فخامة الرئيس ودولة الرئيس أكّدا لنا انّ ما صدر في الرياض لا يلزم لبنان، ونحن نجدد التأكيد انّ ثوابتنا معروفة خصوصاً عشيّة عيد المقاومة والتحرير، طلبنا ان يصدر عن مجلس الوزراء صيغة توضح للرأي العام كل الالتباسات وتعكس ما تفاهمنا عليه».

سعادة

الى ذلك، قال النائب سامر سعاده: «السلطة السياسية باتت مفلسة في صدقيتها وأصبحت في نظر الرأي العام مجرد إدارة للصفقات السياسية والمالية». اضاف: «حوّلوا تداول السلطة بازاراً للتجارة السياسية، وحوّلوا قانون الانتخاب مزايدات ومناقصات يبحثون من خلاله عن عمولات نيابية، وحوّلوا الرأي العام اللبناني دافعاً للضرائب السياسية من خلال محاولات لفرض النواب على الشعب».
وقال: «لا يمكن السكوت عن تحويل المؤسسات الدستورية مسارح هزلية. أسقطوا اللاءات التي وعدوا بها لمصلحة مسرحية العودة الى الستين. لن نسكت وسنكون الى جانب الرأي العام في مواجهة مغتصبي السلطة وواضعي اليد على الديموقراطية».