بقلم رنا عزّام

اهداء لكل انسان وقع ضحية لمرض خبيث ليس له شفاء يقاومه بابتسامه جميلة

عجبت لأمره و أنا ألمحه كل صباح يُضحِك الجموع من حوله و في آخر النهار يمضي إلى بيته حزينا وحيدا يخلع هندامه، يلقي عنه قناعه يُطفئ سراجه، يلتحف فراشه ثم يغرق في بحر من الضياع.
كنت دائما أستبق الحضور لأجلس في صفوفه الأولى، كنت أتأمل بدقة حركات يديه و تعابير وجهه و إشاراته، كنت أنصت بشدة إلى كلماته وأكاد  أرقص فرحاً لرنين ضحكاته و هو صاحب الروح الخفيفة و الضحكة الصاخبة التي تهتز و تطرب لها الأسماع.
ترى ما سرّ ذاك المهرج ما خطبه، لمَ يفرح كل هذا الفرح الشديد ثم تنتابه نوبة بكاء هستيرية تكاد أن تشطر قلبه و روحه؟، ترى ما سر هذه الدموع كلها و لم يخفها وراء ضحكته المدوية التي لا يزال صداها يزلزل البقاع ؟.
أنا وحدي في شرفتي في مطلع كل شهر، كعادتي أشعلت نيران سيجارتي، قرأت جريدتي ارتشفت قهوتي ثم انطلقت مسرعة لزيارة أحبتي، أحبتي هم أطفال بوجوه ملائكة، هم أطفال بعمر الورود ينتظرون في إحدى الزوايا في إحدى المستشفيات كل في دوره لتلقي علاجاتهم الكيماوية ، ينتظرون و على فمهم ابتسامة بريئة ابتسامة أمل جميلة تنير وجوههم رغم المرض ابتسامة بعيدة كل البعد عن كل زيف أو خداع .
و بينما كدت أهمّ بالاقتراب منهم لأوزع عليهم حلواهم المعتادة، إذ بي ألمح ذاك المهرج، نعم إنه هو هو بأم عينه، كدت أصرخ من شدة المفاجأة رباه مَن أتى به إلى هذا المكان و مَن تلك الفتاة الصغيرة النحيفة التي يمسك بيدها ترى أين هندامه و ما السر وراء ما يرتديه من قناع ؟
لحظات غير قليلة و إذا بتلك الفتاة تنادي عليه أبي أبي، لقد حان دوري فحملها بين يديه و بدأ يريها حركاته البهلوانية المعهودة التي لطالما أسعد بها الآلاف من مختلف المناطق و الأصقاع
إذا هي ابنته نعم إنها ابنة ذلك المهرج إنها ابنته المريضة ابنة السادسة الآن عرفت سبب بكائه الهستيري الذي يخفيه وراء ضحكاته المدوية الآن أدركت كم كان قويا و هو يرتدي قناع الفرحة وسط بحر من الأوجاع.
اقتربت من تلك الصغيرة ربت على كتفها، قدمت لها حلواها و اكتفيت بالانسحاب صامتة وعلى وجهي ابتسامة و في نفسي غصة وفي قلبي سؤال يطالبني بإجابة: «أما آن لذلك المرض اللعين أن ينتهي أما آن للمهرج أن يكسر القناع» ؟.