زهير السباعي – سدني
عندما دعت روسيا لمؤتمر أستانة الأول إدعّت زوراً وبهتاناً أن الهدف من المؤتمر هو لتثبيت وقف إطلاق النار وأنه ليس بديلاً لجنيف وقراراته، لذلك شاركت بعض الفصائل الثورية في المؤتمر علاّ وعسى أن تكون روسيا جادة في إدعائها وربما تريد الخروج من المستنقع السوري ورماله المتحركة الذي وضعت نفسها فيه، بالرغم من عدم قناعة الفصائل الثورية للنية الروسية لكنهم أرادو إعطاء موسكو فرصة ذهبية ثمينة لاستغلالها، فتبين للثوار بأن روسيا تبحث عن مخرجاً يعطيها مكاسباً لم تستطع تحقيقها بجرائم الحرب التي ارتكبتها بحق المدنيين السوريين، فلم يمضي سويعات على الهدنة حتى تم خرقها من قبل الراعي الروسي والنظام السوري، واليوم يعود المشهد نفسه من المفترض أن يكون الثوار استفادو من التجربة السابقة واستوعبو الدرس بأنه لايمكن الوثوق بأطروحات روسيا الكاذبة فالمؤمن لايلدغ من جحره مرتين، عادت حليمة -روسيا- ولوحت بجزرة وهمية بعرضها لإقامة أربع مناطق آمنة في سورية تحت شعار تخفيف التوتر كان لافروف وكيري قد اتفقا عليها مسبقاً على غرار سايكس بيكو المنتهية صلاحيتها، الوثيقة التي ظهرت للعلن في أستانة أربعة لاتختلف عن الأفخاخ والألغام التي طرحت في أستانة واحد كون المطبخ الذي صيغت فيه واحد، سعت روسيا الى حشو استانة اربعة بمصطلحات تتيح لها مساحات وصلاحيات واسعة في سورية، فهي تحاول حشر ايران بالاتفاق كضامن له مع إنها طرف يقاتل الى جانبها، إضافة الى ذلك تريد روسيا وضع قوات فصل بين الثوار والنظام تتبع لها وربما تسند هذه المهمة الى الشرطة العسكرية الروسية، نلاحظ هنا عدم وجود أي دور للأمم المتحدة وأمريكا في ضمان الاتفاق لكنهما باركا الاتفاق وهنأ تيلرسون لافروف على هذا النجاح خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما، روسيا نسفت جنيف وأعلنت بأن الشمس ستستطع من أستانة ووفق رؤيتها، قوات الفصل التي تريد موسكو نشرها يمهد لفكرة تقسيم سورية لمناطق نفوذ بين امريكا وروسيا وكيفية إدارة هذا النفوذ
الوثيقة الروسية احتوت على عدة بنود أهمها التأكيد على أن روسيا وتركيا وايران تعتبر الدول الضامنة لوقف إطلاق النار على من تضحكون ؟
إنشاء أربع مناطق لتخفيف التصعيد أو التوتر في محافظة إدلب وحمص والجنوب والغوطة الشرقية، لا أدري ماذا يقصدون بتخفيف التوتر فهناك توتر عالي وأخر منخفض فأيهما؟ أو ربما يقصدون تخفيض عدد البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام أو تخفيف نسبة السُم في غاز الكلور والسارين؟ ضبط الأعمال القتالية ؟ لعمة إذا كان الضامن هو القاتل فمن يضمن من ؟ تقتلون الميت وتمشون بجنازته! أخيراً المناطق الآمنة ووضع نقاط تفنيش عليها لضمان حرية العبور – ربما يطبق نظام التأشيرة لاحقاً- هذه أهم بنود الوثيقة الروسية التي تم التوقيع عليها في أستانة من قبل الدول الثلاث الراعية والضامنة للاتفاق الذي رفضته الفصائل جملة وتفصيلا وانسحبت من جلسات المؤتمر وفي تصريح للمتحدث الرسمي باسم الفصائل جاء فيه لقد جئنا إلى أستانة أربعة بعد أن تلقينا وعوداً بوقف القصف على المناطق المحررة قبل مشاركتنا في المفاوضات ولكن فوجئنا بنقض روسيا لوعودها مما أدى إلى انسحاب بعض ممثلي الفصائل ونحن لم نوقع على اي اتفاق
أخيراً من وضع بنود الوثيقة الروسية وصاغها يستخف إلى أبعد حد بعقول من يشارك في اجتماعات أستانة، فالوثيقة تعطي الروس حق التصرف بسورية كأنها محافظة روسية، في الوقت الذي بدأ فيه الموقف الامريكي بالتبلور والتغير من السالب الى الموجب، فقصف مطار الشعيرات بالتوماهوك أيقظ روسيا من سباتها وغطرستها ودفعها الى مغازلة امريكا بإطلاق اسم المناطق الآمنة لدغدغة مشاعر ترامب ولكن تحت حماية الذئب الروسي والايراني اللذان لم يشبعا بعد من أكل الحملان، فالذي يقبل بروسيا وايران بدول ضامنة كمن يقبل بالذئب حارساً على الغنم