عادت قضية بلدة الطفيل اللبنانية الواقعة في البقاع على الحدود اللبنانية – السورية، إلى الواجهة مع اتخاذ «حزب الله» قراراً بعودة الأهالي إليها إثر إنهاء عملية سيطرته على البلدات السورية المحيطة بها ومنطقة القلمون السورية، وذلك بعد خضوع معظمها لما بات يعرف بـ»المصالحات» التي أدت إلى خروج مقاتلي المعارضة منها. غير أن القرار فجر خلافاً بين وزارة الداخلية و»حزب الله» الذي كان قد أبلغ الأهالي على لسان رئيس الهيئة الشرعية الشيخ محمد يزبك أن عملية العودة تتم بالتنسيق مع القوى الأمنية، وهو ما نفاه وزير الداخلية نهاد المشنوق، مؤكداً أن «الوزارة لم تنسق في هذا الموضوع وأجهزتها لم تتعاون مع أي حزب أو طرف أو جهة أمنية أو سياسية، وما صدر في الإعلام ليس صحيحاً على الإطلاق».
وأضاف المشنوق في بيان له: «وزارة الداخلية لا تُكلف بتصريحات عبر المنابر، ولا بكلمة من سماحة الشيخ يزبك أو من أي حزب آخر، وهي تعرف مسؤولياتها الوطنية والأمنية وكيفية ممارستها وتطبيقها»، مشدداً في الوقت عينه على أنه من حق الأهالي العودة إلى بلدتهم تحت حماية الدولة وبإشرافها، شرط أن تتوافر لهم شروط العودة الآمنة».
من جهته، يشدد مفتي البقاع بكر الرفاعي الذي يتابع القضية، على ضرورة مقاربة الموضوع بعيداً عن السياسة، مؤكداً أن «التنسيق مع حزب الله مفروض علينا نظراً لطبيعة المنطقة والبلدة الواقعة على الحدود السورية وفي مناطق خاضعة لسيطرة الحزب». وسأل: «هل الدولة اللبنانية مستعدة للتنسيق مع النظام السوري لحماية أهالي الطفيل إذا عادوا إلى بلدتهم التي تمر أيضاً ببلدة بريتال الخاضعة لنفوذ الحزب؟». ويضيف: «من هنا حصلنا على ضمانة من حزب الله بمرور الأهالي من دون أن يتعرضوا للمضايقات وضمانات أيضاً للبقاء في منازلهم من دون أن يتم التعرض لهم من قبل قوات النظام»، مشيراً إلى أن هناك تنسيقاً مع الجيش اللبناني لمرور العائلات، لا سيما أن عدداً منهم يملك سيارات تحمل أرقاماً سورية.
هذا السجال أربك أهالي الطفيل الذين على الرغم من كونهم ينتظرون لحظة عودتهم إلى منازلهم بعدما هجّروا منها لثلاث سنوات إثر دخول حزب الله إليها، سيترقبون مجريات الأمور ليتخذوا قرارهم بشأن العودة النهائية، بحسب ما قال أحد أبناء البلدة، عبد الناصر دقو لـ»الشرق الأوسط»، مرجحاً أن يذهب الرجال في المرحلة الأولى لتفقد ممتلكاتهم بانتظار توضيح الصورة وإمكانية عودة النساء والأطفال. وأضاف: «لا شك أننا خائفون من العودة. من يضمن لنا حياتنا؟ نحن على الحدود السورية مع النظام، وبالتالي قد نكون معرضين للاعتقال في أي لحظة».
وأكد: «سنعود مهما كان الثمن. 3 سنوات هجّرنا من أرضنا وتشردنا واحتلت بيوتنا. اضطررنا إلى إخراج أبنائنا من المدارس كي يعملوا في وقت باتت أرضنا ومزروعاتنا بيد الغرباء».
وكانت بلدة الطفيل في عام 2014 فرغت من أبنائها إثر المعارك التي اندلعت بين حزب الله والفصائل المعارضة ومن ثم دخول الحزب إليها، بحيث سجل خروج مئات العائلات السورية واللبنانية التي تعيش فيها منذ عشرات السنين، لكن بعض العائلات ممن يقدر عددها بـ12 عائلة، قرروا البقاء في منازلهم، وشقيق عبد الناصر أحد هؤلاء. ويوضح: «أخي قرر البقاء مع زوجته وابنتيه في الطفيل فيما أحضرنا معنا إلى لبنان ولديه الذكور، ومنذ ذلك الحين لم يرَ أفراد العائلة الواحدة بعضهم بعضاً، أطالب بإعادة لم شمل العائلة من جديد».
من جهته، يقول مختار بلدة الطفيل، علي الشوم، إن المعلومات التي وصلت إليهم تشير إلى أن الجيش اللبناني سيدخل إلى البلدة، للمرة الأولى، بعد خروج عناصر حزب الله من مواقعهم داخلها باتجاه الجرود». ويضيف: «حزب الله أبلغنا أن كل من يريد العودة بات قادراً على ذلك والطريق أصبحت مفتوحة للجميع»، مرجحاً أن تتم العودة على مراحل، لا سيما بعد انتهاء العام الدراسي. ولفت الشوم إلى أن العودة ستكون شاملة ليس فقط للعائلات اللبنانية إنما أيضاً للعائلات السورية التي كانت تسكن الطفيل». مع العلم أن عدد سكان الطفيل اللبنانيين المسجلين يبلغ نحو 4200 شخص، لكن نحو نصف العدد غادرها منذ عشرات السنوات وسكنت مكانهم عائلات سورية، بحسب ما لفت المختار، مؤكداً: «طالبنا بعودتهم معنا لأنهم أهلنا واعتدنا على العيش معاً». وبحسب آخر المعلومات التي كانت قد وصلت إلى الأهالي، من المتوقع أن يؤمّن حزب الله عودة الراغبين اليوم بدءاً من الساعة الثامنة صباحاً من لبنان إلى الطفيل. وتقع الطفيل في أقصى جرود سلسلة لبنان الشرقية، وتحدها من الشرق عسال الورد وحوش عرب في سوريا، وعلى مسافة نحو 3 كيلومترات من الغرب حام، ومن الشمال معربون وبريتال اللبنانية التي تبعد 25 كيلومتراً، ومن الجنوب رنكوس السورية على مسافة 5 كيلومترات.
وتظهر بلدة الطفيل بشكل واضح في خريطة لبنان على شكل «إصبع»، تقع في قضاء بعلبك، في البقاع. وكانت قد وقعت خلافات بشأنها بين لبنان وسوريا قبل أن يعاد ضمها رسمياً إلى لبنان عام 1925، لكن ورغم ذلك بقيت البلدة تعاني من إهمال الدولة اللبنانية ويعيش أبناؤها «حياة سورية» أكثر منها «لبنانية»، نظراً لسهولة الخروج والدخول منها وإليها.
وفي شهر أبريل (نيسان) من عام 2014 دخلت أجهزة الدولة اللبنانية للمرة الأولى، منذ الاستقلال، إلى الطفيل، حين أدخلت المساعدات إلى العائلات بعد شهر من الحصار المزدوج على الجهتين، من سوريا حيث سيطرة الجيش السوري، ومن البقاع حيث المناطق المحسوبة على حزب الله، ولا سيما بريتال التي كانت المنفذ الوحيد للطفيل إلى الأراضي اللبنانية عبر طريق ترابي، لتكتمل بعد ذلك وعلى مراحل فصول التهجير إثر اشتداد المعارك في المنطقة بين حزب الله والنظام السوري من جهة والفصائل المعارضة من جهة أخرى، وصولاً إلى سيطرة الحزب والنظام على القلمون والمناطق المحيطة بـ»الطفيل»، وتحديداً درة وسبنا وسهل رنكوس التي خضعت لما بات يعرف بـ»المصالحات» ونتج عنها خروج مقاتلي المعارضة.