ثلاثة أمور أساسية تختزل منطقة الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الأولى:
فمنذ معاهدة ساكس – بيكو سنة 1916 حتى سنة 2016 ومرور مئة عام على المشروع البريطاني الفرنسي لإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط بدا جلياً أن حروب النفط والنزاع على الحدود والخلافات العرقية وخلق دولة إسرائيل كانت من أهم الأمور التي طبعت المئة عام الماضية.
بوش وشرق أوسط جديد
ومنذ عشرين عام وقف الرئيس الأميركي جورج بوش الابن على حاملة الطائرات الأميركية ابراهام لينكولن ليعلن أن مهمة الولايات المتحدة قد تمت بنجاح وأن نظام صدام حسين قد رُمي في مزبلة التاريخ وأن نظام طالبان قد انتهى بعد أن جرى تشتيت عناصر القاعدة أو القضاء عليهم، وأن بداية قرن أميركي جديد في الشرق الأوسط وأن الإدارة الأميركية تعمل على فرض الديمقراطية وخلق «شرق أوسط جديد».
هذا ما اعتقد الرئيس الأميركي أنه حقيقة وأن المخطط الذي أعلنت عنه كانداليزا رايس عن «الفوضى الخلاقة» سيؤدي دون شك إلى خلق شرق أوسط جديد.
منذ 3 سنوات بدأت تتفاعل عقيدة القاعدة في أذهان المتطرفين لتتجسد تنظيماً إرهابياً جديداً في تنظيم داعش الأصولي وخلال عامين تقريباً ولدت دولة الإسلام على أنقاض النظام في العراق وبداية انهيار سوريا الأسد.
وكان لنشوء دولة الخلافة الإسلامية انعكاسات قاسية على ملايين الناس في شمال شرق سوريا وشمال جنوب العراق، رغم الضربات الجوية المكثفة التي شنتها طائرات الائتلاف والتي زادت على 8125 غارة جوية وإصابة 16 ألف هدف لا تزال دولة الإسلام قائمة.
ورغم مقتل ما يزيد على 20 ألف مقاتل داعشي، لا تزال دولة الإسلام قادرة على استخدام حوالي 30 ألف مقاتل لشن هجمات أو صدّ أخرى معادية.
وتقدر الأجهزة المخابراتية الأميركية أن 15 ألف مناصر لدولة الخلافة جاؤوا من 80 بلد للقتال في صفوف داعش وأن 30 ألف آخرين التحقوا بتنظيمات أصولية أخرى ناشطة في المنطقة. وجاء هؤلاء من 100 بلد أجنبي.
هذا الواقع يطرح أسئلة عديدة تتعلق بالقدرة على اجتزاء ظاهرة داعش والقضاء على الميول الأصولية مما يدفع إلى طرح تساؤلات حول المدة الزمنية اللازمة لوقف النزاع في الشرق الأوسط والحؤول دون انتشار ظاهرة الإرهاب إلى العالم بأسره نظراً لوجود الآلاف من المناصرين النائمين أو من يدعمون بصمت دولة الخلافة وفرض الشرعية كنظام بديل للديمقراطية والأنظمة الأخرى.
هنري كيسنجر وحرب المئة عام
أطلق هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي كتاباً بعنوان «النظام العالمي» يطرح فيه نظرته الشخصية الشاملة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية وهي نظرة لا تخلو من المثالية.
وفي حديث مطول مع الإعلامي الأميركي زويليتش طالب كيسنجر أن تأخذ الولايات المتحدة المبادرة في مواجهة دولة الإسلام مضيفاً أن المملكة العربية السعودية تجد نفسها الآن في وضع حرج للغاية.
فالسعودية هي شديدة القلق من تعاظم القوة الشيعية في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها تشعر أيضاً بالتهديد من قبل المجموعات السنية الأصولية وهي تشكل خطراً على مكونات النظام بأكمله داخل السعودية وعليهم بالتالي أن يحددوا خياراتهم وتوجهاتهم.
ويعتقد كيسنجر أن السعودية اتخذت قراراً بدعم الحرب ضد داعش لكنها ستجد أن الأوضاع في دول شرق أوسطية ستواجه حالة من عدم الاستقرار، مشيراً إلى قيام المزيد من الثورات الداخلية في كل دولة تقريباً في المنطقة مؤكداً أن الصراع السني الشيعي سيكون المحرك الأساسي لهذه الثورات الداخلية وستطول هذه النزاعات لسنوات طوال.
وشبّه حروب الشرق الأوسط بحرب المئة عام بين بريطانيا وفرنسا والتي انتهت باتفاقية Westphalia التي فرضت تعديلات في الدول الأوروبية وأعادت رسم حدودها واقترحت مبادئ سلام حددت شكل العلاقات بين هذه الدول.
وتساءل كيسنجر هل يمكن إقامة مثل هذا النظام في الشرق الأوسط لاحقاً؟ ورأى أن في ذلك تحدياً بليغاً للولايات المتحدة ولدول أخرى.
واعترف أن الولايات المتحدة وحدها هي غير قادرة على تحقيق ذلك دون وجود توازن في القوى بين الدول العظمى، وهذا أمر يتبدل باستمرار لدرجة أنه يصعب لدولة أو قارة قادرة على السيطرة على العالم دوان موافقة أو عجز الآخربن.
النزاع السني الشيعي
يصعب على العالم الغربي مدى ارتباط الواقع السياسي المتأزم في الشرق الأوسط بأحداث وقعت منذ حوالي 1400 سنة يعتبر من أهم عناصر تفجر النزاعات والحروب لها صفة الصراع المذهبي وبدا ذلك في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وانتج منظمات أصولية كداعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الأصولية، كما عمدت إيران منذ سنوات إلى دعم حزب الله في لبنان والحيثيين في اليمن والتيارات الشيعية في العراق بحجة التخلص من الأنظمة السنية الجائرة.
وأصبح جلياً منذ إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران أن السعودية معنية مباشرة بظاهرة تعاظم القوى الشيعية في المنطقة ولعب الطرفان على تناقضات الأحداث التاريخية لتأجج الخلافات والحروب بالوكالة
ومن أهم نتائج هذا النزاع السني الشيعي دعوة الطرفين المتنازعين للعودة إلي الأسس الإسلامية كل على طريقته وحسب تفسيره وفهمه للقضايا الفقهية، والدعوة إلي إقامة نظام دولة يقوم على هذه المفاهيم والشرع مما تسبب بإشكاليات كبيرة للأقليات الدينية الأخرى التي تعيش في مناطق الشرق الأوسط.
واستفاد إسلاميون من انتشار وسائل الاتصال لتعميم هذه المفاهيم على المسلمين المنتشرين في جميع أنحاء العالم. فأصبح العالم بأسره يتأثر بالفورة الإسلامية وربط الدين بالدولة.
النتيجة الثالثة هي استفادة إسرائيل من النزاعات المذهبية الحادة في دول الجوار والعمل على تغذيته بشتى الوسائل، فما يجري الآن يفهم بالقاموس السياسي الإسرائيلي أن الدمار الذاتي للدول العدوة ومنح فرصة ذهبية لإسرائيل لتطوير زراعتها وضاعاتها، ومنها العسكرية والتركيز على زيادة تأثيرها في السياسة الدولية من خلال إظهار مساوئ المسلمين الذين لا يؤتمن لهم ولا يمكن العيش معهم.
وما يحدث هو أكبر مثال على ذلك.
وتسعى إسرائيل معتمدة على القوى الكبرى إلى إعادة تقسيم الشرق الأوسط بعد ان انتهت مفاعيل اتفاقية سايكس – بيكو لذا يطرح في الكواليس خرائط عديدة لخلق دويلات مذهبية وعرقية يصعب عليها أن تتعايش معاً بسبب الخلافات العقائدية والعنف الذي يمارس فيما بينها اليوم.
ومن أهم ما يجري التداول فيه تقسيم العراق إلى دولة شيعية وأخرى سنية وثالثة كردية.
كما نقسم سوريا إلى دولة علوية وأخرى سنية وقسم منها يصبح دولة كردية، وقد يحصل حزب الله على بعض الأراضي المجاورة للحدود اللبنانية ليقيم دولته من الجنوب إلى الهرمل. وهذا ما يفسر الدعم العسكري لحزب الله وعدم اتخاذ قرار دولي بالقضاء عليه، ومحاولة تعطيل الدولة في لبنان دون اللجوء إلى العنف والاقتتال وقد تقسم السعودية إلى عدة دويلات.
يكون نصيب الشيعة قسماً منها، وتقسيم اليمن إلى يمنين.
ولايسبعد إثارة المشاغبات في الداخل الإيراني فإضعاف وتفتيت السعودية سيحتم أيضاً تقسيم إيراني بين شيعة وسنة وأقليات أخرى.
إن تحقيق هذه التقسيمات سيتطلب دون شك سنوات طوال وستشهد المنطقة المزيد من الفرزالسكاني وخلق تجمعات جديدة قائمة على العرق أو الفصل المذهبي.
من هنا اتخوف شخصياً من صعوبة قيام الدولة في لبنان لأسباب عديدة لا تهدف للخير العام. كما أخشى أن يخسر لبنان الفرصة لاستخراج الغاز من البحر المتوسط، بسبب الخلافات الداخلية من جهة وعدم اعتراف إسرائيل بتقسيم المياه الإقليمية، وهي تسعى للاستيلاء على آبار الغاز لكي تتحول مرة أخرى إلى المملكة الداودية تكون مصدر ديني العالم وعاصمة حكم العالم….
من يعش يرَ والشاطر يفهم.