بلغَت المواجهة بين بعبدا وعين التينة ذروتها، وتصاعَد التخوّف من الذهاب إلى اشتباك سياسي حقيقي على مستوى أوسع، مع تلويح «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» بالنزول إلى الشارع والدعوة إلى الإضراب العام وإقفال الطرق المؤدية الى مبنى المجلس النيابي لرفض التمديد التقني لمجلس النواب بلا التوافق على قانون جديد للانتخاب. وكان خيار التمديد قد تقدَّمَ على ما عداه، بفتوى مستعجلة قدّمها النائب نقولا فتّوش وفرَضها بنداً رئيساً على جدول أعمال جلسة تشريعية تقرّر عقدُها اليوم الخميس، تحت عنوان تلافي الفراغ واستمرار عمل المؤسسات.
كيف سيبرّر المسؤولون عموماً هذا التمديد وعدمَ وفائهم بالوعد بقانون جديد تجري الانتخابات على أساسه حتى الآن؟
وكيف سيردّ الشارع، وهل ستنزل الأحزاب المسيحية على الأرض؟
وماذا سيكون عليه موقف المجتمع الدولي الذي سبق أن رَبط جزءاً من مساعداته للبنان بإجراء انتخابات نيابية جديدة فيه؟
وماذا سيكون عليه موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في إطلالته المتلفزة مساء اليوم الخميس، خصوصاً وأنّ بكركي رَفعت لواء رفضِ التمديد؟
مصادر سياسية مسيحية قالت إنّ «هذا الفشل يكشف عدم وجود إرادة بعض القوى لوضع قانون انتخابي ينصِف المسيحيين، لأنّ جوهر معركة قانون الانتخاب ليست النسبية أو المختلط أو الأكثري بقدر ما هو قانون يؤمّن المناصفة، وهذا الأمر الذي لم يسمحوا لسيّد العهد بأن يفعله».

عون
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد اعتبَر أنّ الفرصة لا تزال سانحة للاتفاق على قانون جديد للانتخابات يؤمّن التمثيل الصحيح للشعب اللبناني. وجدّد التأكيد على أنّ التمديد لمجلس النواب من دون الاتفاق على القانون الجديد أو على خطوطه العريضة، لن يكون في مصلحة لبنان والنظام الديموقراطي الذي يستند إليه، ورئيسُ الجمهورية الذي يجسّد وحدةَ الوطن والمؤتمن على الدستور، لا يمكنه إلّا أن يكون أميناً مع قسَمه وملتزماً حماية حقوق الشعب ومصالحه، لأنّ الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية.

برّي
وسُئل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن جلسة المجلس اليوم، فقال أمام زوّاره: «يوم الخميس يكرَم الوطن أو يهان». وأضاف: «هذا التمديد (لمجلس النواب) يقع ضمن مبدأ الضرورات تبيح المحظورات، وهو لمصلحة البلد، هذه الجلسة هي تحفيز لهم وبمثابة آخِر خرطوشة للوصول إلى قانون.
فإذا حصل وتمّ التوصّل إلى هذا القانون خلال الـ 48 ساعة المقبلة فالأمر سهل جداَ، أدمج اقتراح التمديد الذي قدّمه النائب فتوش بالمشروع الذي تتوصّل إليه الحكومة على أساس أنّ هذا الاقتراح هو اقتراح لتمديد تقني».
وقال بري: «بعد هذا التمديد لن يكون أيّ قانون انتخابي في لبنان إلّا على أساس النسبية الكاملة حتى ولو قامت الساعة».
وعبّر بري عن استيائه من أداء البعض وقال: «هناك مَثل يقول «حاكم سيّئ خير من لا حكم». فعندما يذهب المجلس فلا حكم في البلد ولا سلطات، معنى ذلك الفراغ أي تدمير البلد. هناك مَن يحاول أن يفرض علينا منذ 4 سنوات مقولة «اما بِرْكَبْ عليك واما بِعتَب عليك»، لا «خلليهن يعتبوا علينا».
وعن جلسة الغد في ظلّ مقاطعة «التيار الوطني الحر» و»القوات» ومدى ميثاقيتها، قال بري: «أنا أنظر إلى القاعة وأرى أمامي النواب. أنا أنظر إلى النائب المسيحي كمسيحي ولا أنظر إلى المسيحي على أساس انتمائه الحزبي».
وقالت أوساط عين التينة : «إنّنا منذ 4 سنوات وأكثر نسمع رئيس الجمهورية وهو ينادي بالنسبية ولا شيء غيرها، وأجرى محاضرات حولها، إلّا أنّ الوزير باسيل فاجأنا بأنّه لا يقبل بأن يؤتى على سيرة النسبية».
وأشارت المصادر إلى أنّ «هناك من يريد أن يفصّل القوانين على مقاسه وحصر التمثيل به واستبعاد مسيحيين آخرين، يعني أنّ النائب سليمان فرنجية والنائب بطرس حرب وغيرهم ليسوا مسيحيّين؟
وذكرت المصادر أنّ القوى السياسية توسَّمت خيراً بدعوة مجلس الوزراء الى البحث في الملف الانتخابي، وكانت هذه القوى في أجواء أنّ الجلسة ستُعقد أيام الاثنين والثلاثاء والاربعاء، إلّا أنّ المفاجئ كان انّ هذه الجلسة قطعت من اليوم الاول وتمّ تشكيل لجنة وزارية للبحث في الموضوع، علماً انّ عشرات اللجان كانت قد عملت ليلاً ونهاراً على قانون الانتخاب ولم تصل الى شيء.
وعلم انّ الاجتماع الذي عقِد في عين التينة مساء الاثنين وحضَره الوزيران علي حسن خليل وباسيل والمعاون السياسي للامين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين خليل والوزير علي حسن خليل، والسيّد نادر الحريري «كان اجتماعاً فاشلاً حيث لم يتمّ التوصل خلاله الى أيّ شيء».
وبحسب مصادر مجلسية، فإنّ «حزب الله» سعى في الأيام القليلة الماضية الى طرح صيغة تكون مخرجاً للأزمة الراهنة وعرِضت بدايةً على بري وتقوم على إجراء الانتخابات على اساس النسبية الكاملة في المحافظات الـ 6 التاريخية.
وعوّل الحزب على إمكان قبول «التيار الوطني الحر» بهذه الصيغة في اعتبارها تُمكّن المسيحيين من انتخاب 52 نائباً بأصواتهم، وفي المقابل تُمكّن المسلمين من انتخاب 51 نائباً بأصواتهم ، وبعد طرحِها على بري رحّب بها وطلب إرسالها الى رئيس الجمهورية لكي يتبنّاها، إلّا أنّ المفاجأة كانت انّ هذه الصيغة عندما عرِضت على عون رفضَها باسيل. كذلك رفض صيغة ثانية تعطي المسيحيين 49 نائباً بأصواتهم وصيغة ثالثة تعطيهم 50 نائباً بأصواتهم.

مواجهة بين بعبدا وعين التينة
وفي هذه الأجواء يبدو للمراقبين أنّ مواجهة من نوع آخر قد ظهرت إلى العلن بين بعبدا وعين التينة وما إلى جانبهما من قوى سياسية وحزبية، على خلفية ما سمَّته اوساط بعبدا استعجال بري في تحديد موعد لجلسة التمديد قبل ان تتنفّس اللجنة الوزارية المكلّفة بوضع قانون جديد للانتخاب، ورغم الموقف المعلن من رئيس الجمهورية بأنه لن يكون هناك تمديد للمجلس قبل التوافق على القانون العتيد «فهما خطوتان متلازمتان».

الحريري في دور الوسيط
وليل أمس الاول، كشفَت مصادر واسعة الاطّلاع انّ الحريري بدأ بلعب دور الإطفائي بين الطرفين، وهو باشَر سلسلة اتصالات بين المرجعيات لترتيب المخرج الذي يضمن أجواء التهدئة قبل القيام بأيّ «دعسة ناقصة» قبل الموعد المقرّر لجلسة الخميس.
ولذلك لم تَستبعد مصادر وزارية أن يزور الحريري بعبدا وعين التينة في الساعات المقبلة على وقعِ حرب المصادر المتبادلة والتي لم تخلُ من الحدّة في المواقف.
وجدّدت مصادر قريبة من بعبدا تأكيدَها أنه لن يكون من السهل عقدُ جلسة تشريعية لمجلس النواب اليوم إذا لم يجرِ التفاهم على العناوين أو الخطوط العريضة للقانون الجديد للانتخاب ومهلٍ محدّدة للبت به بشكل مضمون.

بوادر «الحرب الصامتة»
وكانت «الحرب الصامتة» على خلفية الخلاف حول أولوية القانون الجديد أو التمديد، قد ظهرَت بوضوح عندما حسَم زوّار بعبدا الإثنين بأنّه لن تكون هناك جلسة لمجلس الوزراء قبل إقرار القانون الجديد للانتخاب، وردّت عليها عين التينة أمس الاول بتحديد الخميس موعداً لجلسة التمديد، وهو ما أدّى إلى تسريع المواجهة بين الطرفين.

الـ«أو تي في» و«إعلان الحرب»
وكانت محطة الـ»او.تي.في.» قد نقلت في مقدّمة نشرتِها المسائية أنّ عون «قرّر اعتبارَ التمديد إذا حصل، إعلانَ حرب جديدة على لبنان، متّجهاً بحزم وتصميم إلى استخدام جميع صلاحياته الدستورية والقانونية لمنعِ فرضِه، بمواكبةِ شعبٍ مستعدّ للاقتراع بالأقدام، إذا اقتضى الأمر».

اللجنة الوزارية
إلى المواجهة دُر… هو ما وصَلت إليه مفاوضات الساعات الأخيرة وتكرَّس في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة بحثَ قانون الانتخاب والتي انعقدت عصر أمس الاول برئاسة الحريري وحضور الوزراء: جبران باسيل، نهاد المشنوق، علي حسن خليل، طلال ارسلان، حسين الحاج حسن، غطاس خوري، يوسف فينيانوس، بيار ابي عاصي، أواديس كادانيان وأيمن شقير، وأشار إليها باسيل بعد انتهاء الاجتماع بكلّ وضوح عندما قال: «حطّينا القانون ع جنَب ورايحين نحضّر التيار لينزل عالأرض»…
باسيل لم يكن الوحيد الذي أعلنَ وقوع الكباش. فخروج الثنائي الشيعي علي حسن خليل وحسين الحاج حسن قبل انتهاء الاجتماع شكّلَ مؤشّراً قوياً، خصوصاً وأنّ خليل قال لدى خروجه «إنّ الشغل الجدّي ليس هنا، وإنّ المستجدّ هو موقف «القوات اللبنانية»… ليكتملَ المشهد بكلام حازم لوزير الداخلية نهاد المشنوق لدى خروجه بإعلانه أنّنا لم نصل إلى نتيجة، وقال: «ما لم نصل إليه طوال هذا الوقت لا تتوقّعوا أن نصل اليه في ساعات»، كاشفاً أنه قال داخل اللجنة عن ميثاقية جلسة الخميس «إنّ ميثاقية استمرار عمل المؤسسات الدستورية هي أهمّ ميثاقية قبل أيّ ميثاقية أخرى، والفراغ خطر على الكيان اللبناني وليس على طائفة واحدة».
وأوضَح المشنوق انّ الامور لا تزال عالقة عند اثنين أو ثلاثة على المقاعد التأهيلية، ولا بوادر حلحلة، مستبعِداً أن تعقد اللجنة الوزارية اجتماعاً آخر لها ولا حتى مجلس الوزراء، وأكّد أنّ التمديد حاصلٌ الخميس، وسيكون هناك نصاب، أمّا من يريد النزول أو الصعود إلى الشارع فمِن حقّه التعبير عن رأيه مع الحفاظ على الأمن.
وعن التلويح بالمادة 25 من الدستور والتي يمكن ان تشكّل مخرجاً في حال حلّ المجلس النيابي، أشار المشنوق الى أنّ هذا الأمر غير مطروح، ولا ننسَ أنّ حلّ المجلسِ يحتاج لثلثَي مجلس الوزراء.
وبحسب المشنوق فإنه في حال عدمِ التوصل الى قانون انتخاب فإنّ مجلس النواب سيأخذ باقتراح فتوش بالتمديد لمدة سنة وليس أقلّ من ذلك.
وسرّبَت مصادر قوى 8 آذار «أنّ الإشكال الذي حصل هو بسبب إصرار باسيل على ان يكون عدد النواب الذين يتأهّلون في الانتخابات على اساس القضاء اثنين، الأمر الذي يرفضه تيار «المستقبل» المتمسّك بـ 3 ومعه الثنائي الشيعي.
أمّا تقسيم الدوائر لتصبح 10 فكانت الموافقة مبدئية عليها من كلّ الأفرقاء، علماً أنّ هذه الدوائر هي بيروت الأولى والثانية دائرة، بيروت الثالثة دائرة، الجنوب دائرة، النبطية دائرة، جبل لبنان دائرة، الشوف وعاليه دائرة، الشمال وطرابلس دائرة، عكّار دائرة، البقاع دائرة، وبعلبك الهرمل دائرة.
وقالت المصادر إنّ التعقيدات التي كان قد تحَلحلَ جزء منها في الساعات الماضية عادت وفرَضت نفسَها بقوّة مع مواقف سياسية شنّجت الأجواء ووتّرت علاقة القوى السياسية مع بعضها البعض.
وأكدت المصادر انّ «باسيل الذي كان يفترض ان يردّ على الثنائي الشيعي بإمكانية الضغط على «القوات» أعلن أنّه سيوحّد الموقف معها، فإمّا يَقبلان بالقانون معاً وإمّا يرفضانه معاً، وبالتالي يرفضان التمديد معاً».
وتخوَّفت من الذهاب الى اشتباك سياسي حقيقي لا أحد يعرف أين ينتهي في حال لم تتحَلحل الأمور، معوّلةً على اتصالات بين الرؤساء الثلاثة لفضّ الاشتباك.

«التكتّل»
وكان باسيل قد أكّد بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتّل «التغيير والإصلاح» أنّ التيار ضدّ التمديد، وسيَعمل بكلّ الوسائل المتاحة لمنعه بدءاً من مقاطعة الجلسة التشريعية المخصّصة لإقراره.
ودعا «حزب الله» وحركة «أمل» و»المستقبل» وكلّ من يفكّر بالتمديد الى التراجع عن تفكيره لِما في ذلك من ضربٍ للديموقراطية وإساءة للوطن. وأكّد أنّ قانون الانتخاب سيُنجَز إمّا قبل أو بعد التمديد، ولكن المهم ألّا يتمّ التمديد. ودعا المرجعيات الروحية والمجتمع المدني لمواكبة حركة منعِ التمديد.
وفي معلومات أنّ «التيار» أبقى اجتماعاته مفتوحة على الصعيد الحزبي لوجستياً وشعبوياً من أجل التحضير لمواكبة القرار الحزبي بالتصدّي للتمديد، لا سيّما أنّ القرار اتّخِذ بالتصدّي قانونياً ودستورياً وشعبياً. وبموازاة ذلك ظلّت خطوط التواصل مفتوحة طيلة الوقت مع «القوات» وسُجّلت زيارات عدة ايضاً بعيدة من الإعلام على خط الرابية – معراب.

«القوات»
وأوفد رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الوزيرين غسان حاصباني وملحم الرياشي الى بعبدا والرابية لإبلاغ عون و»التكتل» موقفَ القوات الرافض للتمديد من دون إقرار قانون انتخاب جديد يؤمّن المناصفة الى أقصى حد.
وأكدّت مصادر «القوات» أنّ قيادة «القوّات» باشرت الإتصال بالمسؤولين الحزبيّين في المناطق ومصلحة الطلّاب والمصالح الأخرى في الحزب، وبرؤساء البلديات الذين يدورون في فلكها من أجل الحشد والتجييش للنزول الى الشارع، وتسعى الى تأمين اكبر تظاهرة ممكنة.
وأشارت المعلومات الى أنّ الحشد الشعبي يتزامن مع تكثيف الإتصالات السياسية التي تُعطى فرصة أخيرة من أجل الوصول الى اتفاق حول القانون، وسط ترجيحات تتحدّث عن الدعوة الى إضراب عام المفتوح. وجزمت المصادر بـ»أننا لن نقبل بالتمديد مهما كلّف الأمر، وما كان يصحّ قبل إنتخاب عون لن يصحّ بعده».

«الكتائب»
من جهتها، دعَت مصلحة الطلاب في حزب «الكتائب» الى التحرّك تزامناً مع جلسة الخميس (اليوم) لرفض التمديد والمطالبة بقانون إنتخابي جديد عادل. وحمَّل رئيس الحزب النائب سامي الجميّل «الأطراف المشاركة في الحكومة مسؤولية التمديد إذا حصل». وسأل: «ما التبرير للتمديد؟ هل هناك حالة حرب؟ ولماذا المخالفة الدائمة للدستور؟»
وقال مصدر كتائبي مسؤول إنّ الحزب «سيرفض التمديد الجديد لمجلس النواب كما رفض التمديد السابق، ولن يغطّي بعض أركان السلطة في سعيهم الى ركوب موجة رفضِ التمديد شكلاً في وقتٍ يتحمّلون مسؤولية الوصول الى المأزق السياسي الراهن».