غالباً ما يتساءل المرء حول الاسباب التي تمنعه من القيام بالامور التي يرغب بتحقيقها؟؟
نستفيق يومياً في نفس الغرفة، ويومياً نكرر نفس الاعمال ونعيش يومنا كالسابق وندرك في قرارة أنفسنا ان يوم غد وما يليه سوف يكونان كيوم آخر من ايام حياتنا… اعمال واحداث واناس يتكررون في حياتنا.
ومع نهاية الاسبوع او الشهر او السنة نأمل ان تحمل الينا الأيام بشائر خير تبدل حياتنا وتخرجنا من الروتين التي تنهك عمرنا بهدوء…؟؟
كلنا نحلم بعالم افضل وبلد مثالي وحياة تسودها الحرية. فهل نحن فعلاً احرار في احلامنا وعملنا وقراراتنا؟؟
الغذاء والماء والهواء والمواد الأولية الضرورية وكل ما نحتاج اليه تصبح يوماً بعد يوم صعبة المنال. وكلما اتسعت رقعة العمران ندرت هذه المواد اكثر فأكثر.
ومع نزوح الناس من الريف نحو المدن، بدأت الاراضي الزراعية تتصحّر وتبخّرت الخيرات التي كانت تملأ طاولات الطعام وتغذي ملايين الأفواه.
في المدن، قوانين السير تكبّل حركتنا، المزاحمة مع ملايين آخرين تزيد من حدّة عصبيتنا والبحث الدائم عن الاكتفاء الذاتي يقلق راحتنا.
نكتشف في كل لحظة ان العالم حولنا هو عدائي يزاحمنا على الثروة ولقمة العيش.
امضينا سنوات لادراسة نتلقن العلوم ونخضع لامتحانات واختبارات حولتنا الى مختبرات متجولة. لم تؤهلنا تلك السنوات ان تنشئ جيلاً قادراً على خلق عالم ومحيط جديد، بل جرى تلقيننا لكي نتلاءم ونتكيّف مع الآخرين.
جرى تطبيعنا للقيام بمهام محددة دون ان ندرك لماذا نقوم بها كما شاء وخطط آخرون لنا، فاصبحنا نعمل ونعمل دون توقف خوفاً ان يسبقنا الآخرون. ولم يعد بمقدورنا ان نعيش حياتنا كما كنا نحلم به كأطفال وكمراهقين. نعمل دون توقف حتى نصل الى الشيخوخة. فننظر الى العالم بعجز لأننا لم نتمكن طوال السنوات المتسارعة ان نعمل الكفاية بكمال، او ان نتمكن من عيش حياتنا كما نرغب.
ولا يبقى امامنا سوى انتظار الموت، بعد ان تحولنا عبئاً على الآخرين.
ابناؤنا واحفادنا يحلون مكاننا في هذه اللعبة الكونية، مكررين نفس الاخطاء، حالمين احلاماً مشابهة للاحلام التي دفعتنا على اكتساب العلوم والعمل والتضحية بمؤهلاتنا ومواهبنا..
نحن نعيش في عالم تتحكم به نخبة من الناس يختبئون وراء سياسة الدول واقتصادها والبرامج التربوية فيها. يسيطرون على خيرات العالم ويفرضون توصياتهم على الحكومات فيه. والشعوب هي في النهاية الضحية الاولى لمقرراتهم.
نبني المدن ونشق الطرقات ونعمل في مصانعهم. نحارب عنهم ولحماية مصالحهم باسم الوطنية والحرية ومكافحة الانظمة ومحاربة التطرف ومقاومة اعداء الأمة والبشرية. فالمهم حماية مصالحهم. ليس المال وحده هو الهام بل السلطة والتحكّم بمصير الشعوب هو الهدف.
المال ليس سوى اوراق مطبوعة وقعوا عليها ومنحوها قيمة لا تستحقها. النخبة توزع بعض اموالها علينا، فنعطيهم بالمقابل العالم وما تبقى من حياتنا.
حيث شمخت الغابات التي تكرّر الهواء وتنقيه، ارتفعت المصانع التي تلوّث البيئة وتنشر سمومها.
وحيث فاضت المياه العذبة، واهبة الحياة لجميع الكائنات، يوجد اليوم انهر وبحيرات لوثتها مصانع النخبة ونفايات الناس، فقتلوا معالم الحياة فيها.
وحيث كانت الحيوانات تعيش بحرية، تقتات من خيرات الارض، اصبح لدينا مزارع للابقار والمواشي والدجاج، وهي لا ترى النور ولا تتناول سوى الاعلاف المصنعة.. كل هذا ليقدموا لنا وجبة طعام معلبة غنية بالفيتامينات والميكروبات والكيماويات التي تفرخ سموماً وامراضاً اقلها السرطان ونوبات القلب وتفشي الأوبئة القاتلة.
مليار ونصف انسان في العالم يعيشون في الفقر ويموتون لقلة الطعام فيما تنعم دولاً بالمواد الغذائية التي تلقى في النفايات والبحار حفاظاً على اسعار السوق العالمية.
70 بالمئة من محاصيل الارض تذهب لتغذية الحيوانات التي تتحول طعاماً على موائدنا. فلماذا الاهتمام بالجياع طالما هم غير قادرين على شراء طعامهم ورفع ارباح النخبة.
لقد اصبحنا كالجراد الذي ينظف الارض من كل خيراتها بعد ان تحولت نظرتنا الى العالم الى قيمة تجارية. فكل شيء حولنا يمكن ان يصبح مصدر ثروة لنا او لمن يتحكم بمُثلنا وسلوكنا الاجتماعي.
كل ما نخشاه ان نصل الى يوم في المستقبل غير البعيد تصبح فيه العملة بدون قيمة لها، لأن ثروات الارض قد جفت وخيراتها قد اضمحلت. اننا ندمر الارض وندمر مظاهر الحياة عليها. مئات الاجناس الحيوانية تختفي من الوجود وآلاف الأميال من الغابات تقطع ليرتفع مكانها الابنية وتشق الطرقات الجديدة نحو المزيد من الدمار للطبيعة.
مَن يعيشون اليوم في الولايات المتحدة، 40 بالمئة منهم معرضون للاصابة بالسرطان. وفي استراليا اصبح هذا المرض السبب الاول لوفاة الناس فيها. وامراض القلب في كلا البلدين تصيب واحداً من عشرة اشخاص مع انتشار الامراض نتيجة لابتعاد البشرية عن الارض ازدهرت صناعة الادوية فتحولت هذه وسيلة للإثراء وسبباً لقتل الناس.
نجمع الاموال للبحوث الطبية ولاكتشاف ادوية جديدة. واصبح مصير شركات الادوية يتوقف على انتشار الامراض بين الشعوب ومدى آلامهم واوجاعهم وقلة راحتهم. نحن نتهرب من واقعنا بعد ان تحولنا الى مادة اختبار، ووسائل الاعلام تساهم في اقناعنا وتطويعنا وخضوعنا لسيطرة القلة المتحكمة بمصيرنا.
ندمر الطبيعة، نقتل الحيوانات، ندمر بلدان ونصطاد شعوبها وكأننا اسياد هذا الكون.
يوماً ما سنفتقد كل اسباب قوتنا وادعائنا اننا شعوب ذكية، تخترع وتتطور، لأننا فقدنا مشاعر الرحمة فنمت الروح المادية فينا على حساب كل شيء آخر يميزنا كأناس عقلاء وحكماء ومحبين…
اننا نعيش اليوم في عالم هو على وشك الانهيار لأننا نعتمد العنف لمعالجة مشاكلنا، عنف حيال الطبيعة وعنف ضد الحيوانات، وعنف مدمّر مع بعضنا البعض. هذا العنف يدمر كل الحلول الممكنة لمعالجة خلافاتنا وتضييق المسافة بين اختلافاتنا.
كلنا نبحث عن السعادة، لكننا نادراً ما نتشاركها مع الآخرين.
نبحث عن السعادة حولنا دون ان نجدها في داخلنا. السعداء في العالم اليوم هم مَن يمتلكون القليل القليل من خيرات هذه الارض واموالها.
فهل نحن فعلاً سعداء مع كل ما نمتلك من عقارات وثروات وسيارات فخمة واموال مكدسة في المصارف وهواتف جوالة تصلنا مع العالم وتبعدنا عن ذواتنا واخطائنا…
نشارك في انتخابات ديمقراطية لنختار وجهاً لعملة واحدة. نبتهل اننا نمارس حقنا كمواطنين ونقرّر مصيرنا كشعوب، لكننا في الواقع دماً متحركة تتحكم بقراراتنا وسائل الاعلام واموال النخبة. نعتقد اننا انجزنا تبدلاً في سياسة البلاد، لكن العالم يبقى هو هو ويقاد حسب رغبة الآخرين.
نادراً ما ندرك ان رجال السياسة لا يعملون لخدمتنا بل لتنفيذ مخططات من اوصلوهم الى تلك المواقع المسؤولة عن قراراتنا. نحن بحاجة لقادة وليس لرجال سياسة، لأننا تناسينا كيفية الالتزام بقراراتنا والقدرة على التحكّم بسلوكنا الفردي.
علينا ان نكفّ عن انتظار التغيير وان نعمل لنصبح نحن آداته الصحيحة.
لقد احسنا وابدعنا في مجالات صناعية وتكنولوجية وعلينا الآن ان نحسن العيش مع بعضنا البعض بسلام.
عمر الارض مليارات السنين ومعدل الحياة لدينا لا يتجاوز الثمانين سنة. انها لحظة في تاريخ الارض وومضة عين في تاريخ البشرية.
ربما يجب ان نوقف عجلة التقدم ونعود سنوات الى الوراء عندما كانت الشعوب شديدة التعلق بالارض لأنها كانت المصدر الوحيد لديمومة الناس والمصدر الطبيعي لقوتهم. فارتبطت ديمومتهم بوجودها ومدى ما تنتجه من خيرات مقابل عملهم وكدههم فيها.
ان الجيل الذي نعيشه اليوم سيقرر دون شك مستقبل الاجيال القادمة. وطالما نحن ملتزمون بخدمة النظام العالمي السائد، فالأمل بتعديل مصير البشرية هو ضئيل للغاية.
نحن نتاج مَن سبقونا على هذه الارض، ولست ادري ما ستكون صورة الاجيال المستقبلية بعد هذا المنحى الذي تتخذه البشرية.
اننا اليوم نتابع كتابة التاريخ الذي بدأه آخرون، انه تاريخ الارض والطبيعة والحيوانات والبشر… اما نحافظ عليهم جيمعاً او تنفرط سلسلة الحياة لفقدان احد هذه العناصر الاساسية.
الكذبة الكبيرة التي يعيشها العالم
Related Posts
وباء كورونا والحرب العالمية الثالثة