بقلم رئيس تحرير النجوم / وديع شامخ
لمناسبة الذكرى الثالثة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي
مقطع أول
في محلة الجمهورية /محافظة البصرة /من عام الفيل العراقي .. يومَ كنتُ طفلا أداعب إسفلت المدينة الجديد بـ «عربانة» خشبية مثلثة تؤطرها رؤوس عجلات حديدية صغيرة «بولببرنكات»
حيث مدينة الجمهورية تكتسي بسواد أسفلت الشوارع مرّة أخرى .. والصبح العراقي مُعلّق في عنق زجاجة ..
هكذا كان أخي الشيوعي «صبري شامخ» الممنوع من «شيوعيته» لانه كان يخدم جنديا في مختبرات «مستشفى البصرة العسكري»
يأمرني بشراء جريدة « طريق الشعب» لصاحبها الحزب الشيوعي العراقي ، يدس في يدي «خمساً وعشرين فلسا» .
قطعة معدنية مدهشة في خفتها ومثقلة في قيمتها .. فضية تشبة الصمت أيضا ..
وكان في أحايين كثيرة ، يدس في يدي عملة أكبر قيمة «درهما « وهو لا يقل فضية ً عن تلك من ناحية المعدن ، ولكن بـ «الدرهم» ممكن شراء «جريدة الثورة» أيضا لصاحبها حزب البعث العربي الاشتراكي.
كنت أنا رسولا فقط ، وناقل الكفر ليس بكافر .. أُثبْت القطعة النقدية المعدنية في يدي «درهما أو نصفه» لكي أصل الى مكتبة «مهدي» لأشتري الجريدتين مع ضمان سلامة البضاعة سالمة من التلف الى يد أخي الشيوعي «الممنوع من الصرف».
كانت لعبتي المفضلةـ أن انتظر أخي «المُجَمدة شيوعيته» في براد «الجبهة الوطنية» لأواصل لعبتي المفضلة دون آعتراض من أحد ..
لعبة من بياض الطفولة وبرائتها على أسفلت أسود …
هكذا تنسمت «طريق الشعب» منشورا علنيا ومتاحا للطفولة في زمن «جبهة وطنية» جائرة الوطنية، غائمة المعالم، أراد البعث منها مشاركة «نفعية» للخروج من طوق الأزمة، وبراءة شهادة من اليسار العراقي والعربي والعالمي أيضا لمرور القطار البعثي على «سكة وأسفلت البلاد معا».
كان ذاك بعيدا جدا في سبعينيات القرن العشرين الفائت بكل خيباته .. حيث غادرت «طريق الشعب» الى جبال العراق وأهوراه ، بقى الحبر ماثلا في القلوب .. والعيون تتشوق الى رؤية الطريق المعبد بالحرية وإنتصاب الكائن .
صورة أخرى
بعد إنتفاضة العراق الكبرى في تسعينات القرن المنصرم . عاودت» الطريق «الى ذاكرتي ومعها» مجلة الثقافة «تتسرب الينا في البصرة، منشورات سرية كما الموت تماما .. نتداولها بحذر وربما .. ببطر .. لم يستمر هذا الترف كثيرا حيث عادت غربان البعث» وأشجارها السوداء تعشعش على بقايا الوفاء ..
وكلما تنتهي دورة «اسفلت «على شوارع العراق … لابد أن تبدأ» دورة» تبييض الأرواح من بياضها..
لذا كانت «طريق الشعب» عنقاء من ورق .. كنت أتصفح المنشور السري جدا وأدسّ عملة ورقية في ثناياه بخوف شديد وحب معا .
نيجاتيف
لا ظل بلا ضوء ، ولا شمس بلا نهار.
يبدو أن الطريق للشعب لابد أن يدون بسيرة الباذلين ، وهكذا عُدت الى «طريق الشعب» ليس كأبن ضال، ولا طفل برىء ..
لكني لم أزل أحمل يدي المعروقة وهي تقبض على «الدرهم» العراقي المسكوك من معدن القول ..
مفارقات لا تنتهي ..
ولكن الطريق ليس واحدا، والشعب إرتدى أقنعة الوقاية من سموم الحقيقة .. سينهض لرؤية الحلم الأحمر جديدا ..
طريق الشعب «وطن حر وشعب سعيد»
أيّة يوتوبيا يحمل
أجراسها الرفاق؟ وأيّة حياة يبعثها الفينيق الشيوعي؟؟
هنا ليس لي غير «درهم العراق» .. ووجهه الأملس بلا ملامح .. .. لولا ملامحنا، وبلا قيمة / لولا قيمتنا .. وبلا سوق لولا بضاعتنا ..
اليوم أعود الى «الضوء» حاملا قناديل العراق / اعود الى الطريق .. مُحملّا برغبة عارمة لكسر فناجين الحظ وابراج العرافين ..
جئت الى «الطريق» : لكي أفتح كوة من بنفسج القول لرائحة الامل لكي نكون أولا .. جديرين بوطن خالٍ من أكاسيد اللوثة الوطنية المفرطة في غوايتها ..
ولي فيها مآرب آخرى ..