يعقد هذا الاسبوع مؤتمر القمة العربية في البحر الميت في الاردن وسط انقسامات عربية تنذر بمستقبل اسود للأنظمة العربية القائمة ، التي تتآمر على بعضها البعض ، غير آبهة بما يتهددها من أخطار قد تطيح بها جميعاً .
للوهلة الاولى قد يظن المراقب أن لاختيار مكان الاجتماع على البحر الميت في الاردن دلالة تتعلق ، على الارجح ، برفض الممارسات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة ، وفي مقدمها مصادرة الاراضي وتهديم المنازل الفلسطينية تمهيدا لبناء مستعمرات اسرائيلية صهيونية عليها مستندة الى تأييد اميركي ، رغم الاحتجاجات الدولية على بناء المستعمرات الصهيونية التي يسمونها مستوطنات .
لكن نظرة سريعة للواقع العربي تبين أن الاهتمامات الاولية لمعظم الدول العربية لا علاقة لها برفض واقع المستعمرات الصهيونية ، التي تقام على الاراضي الفلسطينية المحتلة ، بل ان لكل دولة من الدول المشاركة في المؤتمر اهتمامات تختلف عن اهتمامات الدول الاخرى . فالسعودية مثلا يهمها ، أول ما يهمها، حشد المؤيدين لمواقفها سواء في حربها العبثية على اليمن، او في الحرب على سوريا ، ولا يغيب عن بالها محاولة تطويع الموقف المصري بالضغط على مصر اقتصاديا لهذه الغاية . والمغرب تنشد حشدا مماثلا للانتقام من الجزائر التي تؤيد جبهة البوليساريو الساعية لاستقلال الصحراء الغربية . وللأردن اهتمامات تتمحور حول مشاريع السلام مع اسرائيل وفقا لمبادرة الملك عبدالله ، التي يتمسك بها العرب وترفضها اسرائيل، بالاضافة الى اهتمامات اخرى تتعلق بالمساعدات الدولية للأردن لاستضافته النازحين السوريين اليها هربا من الحرب الارهابية على بلادهم .
ولدول الخليج اهتمامات تتمثل خطورتها بمحاولة مذهبة الصراع – سنيا ? شيعيا ? وفقا للارادة الاسرائيلية الاميركية المشتركة ، أدركوا ذلك أم لم يدركوا .
ويبقى موقف لبنان ، ووفقا لما رشح عن موقف الرئيس عون ، موقفاً متميزاً عن موقف الدول الـ 15 المشتركة بالمؤتمر . فالرئيس عون يدرك ان الابتعاد عن الملفات الخلافية لا يتأمن الا بمقاربة الوضع العربي المتأزم وفقاً لمعادلة جديدة «عنوانها فلسطين تقرر مصيرنا جميعاً» ، والانقسام العربي ليس الا نتيجة تراجع اهتمامنا بالقضية الفلسطينية قضية العرب المركزية ،وفقا لما رشح عن احتمال كيفية مقاربة عون للخلافات العربية في مؤتمر القمة في البحر الميت ، اذ لا يجوز اطلاقاً ترك القضية الفلسطينية لاسرائيل التي تسعى دائبة لتهويدها انطلاقاً من تهويد القدس . وليس ما يجمع مسلمي العالم ومسيحييه كما تجمعهم قضية القدس . لا سيما وان الارهاب الذي يهدد امن العرب جميعا وامن العالم اجمع ليس الا نتيجة لتراجع القضية الفلسطينية ما ادّى الى انفلات العصبيات من عقالها ، وكذلك التطرف الاعمى . «فالشعوب التي تفقد قضيتها الجامعة تتفرق في الف سبيل وسبيل ويأخذ التطرف شبابها من موقع اليأس وفقدان التوازن والامل . فان اتفقنا مجدداًعلى اولوية فلسطين هانت الخلافات والانقسامات وتوضحت سبل مكافحة الارهاب وتغيرت قواعد التحالفات . وان اختلفنا فلسوف نقاتل الارهاب في بيوتنا وعواصمنا وغرف نومنا ، وسوف تضيع مكانتنا لدى الصديق ونخسرها بيد العدو ونتوه بين الامم والشعوب بلا بوصلة».
فهل سيتمكن لبنان ، الذي يحاولون تطويقه بمواقف ترفض مساندته ، إنْ بوجه اعتداءات اسرائيل على سيادته جوّاً وبحراً وبرّاً ، او بوجه الارهاب ، او لمواجهة معضلة النازحين السوريين اليه والذي يفوق تعدادهم المليوني نازح؟!
وهل سيتمكن مؤتمر القمة تجاوز كل الخلافات بين الدول العربية ليتخذ موقفاً موحداً بوجه أطماع اسرائيل ليس بفلسطين المحتلة وقدسها الشريف فحسب ، بل واطماعها بلبنان وسوريا ، وما يمكن ان يتيسر لها من اقطار عربية اخرى ، وبوجه الارهاب المدعوم اسرائيليا واميركيا ايضاً ؟!!
وهل سيتمكن مؤتمر القمة من مراجعة موقفه ، وبالتالي موقف الجامعة العربية من سوريا فيصحح الخطأ الفادح بقرار تعليق عضويتها في الجامعة العربية حيث لا يمكن ان يستقيم موقف عربي موحد بغياب سوريا الدولة ، بصرف النظر عن رأي الملوك والرؤساء ونظرتهم للنظام فيها ، وترك امر النظام للشعب السوري، وللشعب السوري وحده . ؟!
وهل سيتمكن لبنان ، من خلال موقف الرئيس عون، من تصويب الموقف العربي في مؤتمر القمة الثامن والعشرين لينتقل به من الخلافات والانقسامات والتشرذم الى موقف عربي موحد ، كما صحح الرئيس لحود مقررات مؤتمر القمة في بيروت حينها بأن اعاد حق عودة الاجئين الى مبادرة الملك عبدالله والى مقررات المؤتمر ، ام سيبقى العرب منبطحون امام الارادة الاسرائيلية الاميركية فيضطرون الى دفن مقررات مؤتمرهم في البحر الميت . ويبقى لبنان نسيجا وحده متمايزاً بفضل وحدة شعبه وجيشه ومقاومته ، رغم اصوات النشاز ، وتبقى تلك الوحدة التي صنعت اول انتصار عربي على جيش الاحتلال الاسرائيلي ، الذي كان يوصف بانه لا يقهر ، منارة للشعوب العربية ؟!!