كندة سمارة- سدني
ظهرت حركة الاستشراق في الغرب، فخصص لها العديد من الأقسام والمراكز العلميّة بهدف التعرّف على تراثنا ومجتمعاتنا. وعلى الرغم من اعتماد تلك الدراسات على الطابع العلميّ المجرّد عن الأهواء والأغراض إلا أنها اتصفت بالتحيز في كثير من الأحيان وإن كان هذا لا ينفي أهميتها العلميّة. في المقابل لم يكن للعرب أي دور فاعل في أخذ زمام المبادرة، فأغلب المراكز البحثية العربية ما زالت تغط في نوم عميق فاسحة المجال للغرب بالتعرّف علينا والتكلّم عنّا وعن ماضينا وحاضرنا لما يزيد عن قرنين.
إنّ مشكلة المراكز البحثية العربية ليس فقط في عدم قدرتها على إجراء أي دراسة أو نقد أو تحليل ضمن إطار معرفي علمي وإخراجه لنا إلى حيز الوجود، بل تعدت ذلك في كونها غير قادرة حتى على تشجيع أي نتاج فردي جاد ملتزم بالأسس الموضوعية المعتمدة في أساسها على مقارعة الحجة الأكاديمية بالحجة الأكاديمية. فما تعانيه المراكز البحثية في الدول العربية من تخلف معرفي وأكاديمي، وتخبط تاريخي إنما يعود في أسبابه إلى تجنب النقد الذاتي، فما زلنا نتخذ موقع الدفاع عن النفس ونركّز على التناقضات الموجودة في تاريخ الآخر عوضاً عن تفنيد الحجة بالحجة. هذا بالإضافة إلى أنّ معظم الأدبيات المعاصرة تراها قد اعتمدت على تاريخ عنصري وحيد الاتجاه، وإن كان في حلّة جديدة إلا أن صفة الأصولية بقيت طاغية عليه. فنجد أنّ أغلب الدراسات الحديثة قد ركزت على البعدين العرقي والجغرافي، كتمييزها بين العنصرين الفارسي والعربي، متجاهلة العديد من الإنجازات الحضارية العربية التي ظهرت بعد دمج المؤثرات الثقافية على اختلاف مشاربها وإخراجها لنا في خليط حضاري مميز.
لذلك علينا أن ندرك أهمية كتابة تاريخنا بطريقة متحررة ومنفتحة على الآخر، وإعطاء البعد الثقافي الحقيقي المتعدد حقّه، علّنا نتعرف على دوره في تشكيل تراثنا وهويتنا الحالية. بحسب رأي البعض، من يمتلك الماضي فهو حتماً يمتلك الحاضر، لكننا لا نريد حاضراً نرجسياً منغلقاً على نفسه معتمداً في أسلوبه على الشك بالآخر ورفضه حتى قبل الحوار معه. ولا نريد أيضاً مقارعة الاستشراق الحديث عبر الدخول في صراع معه وذلك لإبراز تفوقنا في حقبة تاريخية وتخلفهم. بل علينا إعادة كتابة تاريخنا العربي بعيداً عن الأهواء السياسيّة والدينيّة، علّها تكون بداية لنا فننفتح على حاضرنا بجميع حسناته وسيئاته. فلطالما كان تاريخنا منفتحاً منفعلاً ومتفاعلاً مع الآخر، فأجدادنا أنتجوا لنا حضارة غنية لكننا ما زلنا حتى اليوم نجهل التعامل مع تراثها.