كتب انطوان القزي:

زارني يوم 31 آب اغسطس سنة 2015 في مكاتب “التلغراف” حاملاً عصارة ما اودعه لديه عصر الصحافة العملاقة، ليهديني كتاب “بنك الاعتماد والحقيقة الغائبة”.
هو الذي خبر هموم السياسة والتاريخ والجغرافيا وسبر غور التحالفات والانقلابات والمؤامرات، وتكشّفت لديه كل الخيوط والخطوط، وبات حبره السيّال يؤرشف لما عرفه محمد عبد المولى الزعبي، المحلّل الهادئ الرصين والواعي. ولما غرفه من معين الحياة.
ليس صدفة ان يكون يوماً رئيساً لتحرير “الحوادث” في عصرها الذهبي، بل هي الخبرة والثقافة والموضوعية. وليس صدفة ان ينتهي به العمر في استراليا، لأنه غادر ارضه يوم غادرتها الاقلام الرفيعة والحرية المسؤولة ويوم حلّت الصفقات في بلاط صاحبة الجلالة.
محمد عبد المولى الزعبي، زارني للمرة الاولى في مكاتب “التلغراف” سنة 1997، فوجئت به يدخل الباب، ومن اين لي ان التقي رجلاً ادمنتُ على قراءته وانا ما بلغت سن الرشد. نعم، عدت فجأة الى زمن الكبار، ولوهلة اعادني الى السطور الذهبية والخزائن الذهبية والافكار الذهبية.
– اهلاً استاذ محمد، يشرّفني ان التقيك في هذا المقلب من الأرض، وكأن اهل القلم هم ايضاً يعيشون في عالم صغير..
قال : “انا هنا منذ بضعة اشهر، لم أكن لأزورك لولا قراءتي الدائمة لعامودك اليومي، وهو الذي دفعني الى زيارتك لأهنئك على ما تقوم به…”
.. كانت شهادة ما توقعتها يوماً، من رجل درجتُ على انتظار مقالته سحابة سنوات محرّراً ورئيساً للتحرير في مجلة “الحوادث”.
شهادة ارفع عندي من كل الأوسمة والدروع الزجاجية والخشبية التي حصلت عليها..
لن ازيد، بل افتقد بالاستاذ محمد عبد المولى هامة وكنزاً وقلماً فيه من الحبر ما يروي ومن الافكار ما يُغني ومن المحطات ما يستحق التوقّف ومن الآراء ما يستحق التقدير.
رحمك الله استاذ محمد.