رغم موجة التفاؤل التي تلت انتخاب «الجنرال عون» لرئاسة الجمهورية بعد ما يزيد على سنتين ونصف من الفراغ والتعطيل، لا يزال معظم اللبنانيين يتساءلون بأي اتجاه سيأخذ الرئيس عون البلاد؟؟
بالطبع استبشر معظم اللبنانيين خيراً من ملء سدة الرئاسة، خاصة ان انتخاب الرئيس ميشال عون جاء نتيجة مجموعة من التوافقات الداخلية والخارجية اقليمية ودولية.
فتفاهم حزب القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر ساهم داخلياً في تقريب مكونات لبنانية اخرى قد يكون اهمها دفع تيار المستقبل بقيادة رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري على تأييد خيار القوات ثم احراج «حزب الله»ودفعه الى دعم عون على حساب الزعيم الشمالي سليمان فرنجيه.
موجة التفاؤل التي سادت البلاد لم تخل من المخاوف. فالتقارب المسيحي المسيحي لم ينزع مشاعر القلق حول متانة تفاهم القوات والتيار.
والدعم شبه الكامل للرئيس عون (85 صوتاً) لم يلغ المخاوف ان ينقلب النواب المجدد لهم على رئيس البلاد الذي طالما تعهد باجراء «اصلاح وتغيير» في الجمهورية اللبنانية والطبقة الحاكمة فيه. فهل تتضارب مصالح الطبقة السياسية مع مصلحة قيام الدولة مجدداً في لبنان؟
ونتذكر جيداً ان الرئيس عون جاء نتيجة توافق اقليمي وتناغم سعودي ايراني في مرحلة كانت فيها العلاقات الايرانية الاميركية مطبوعة باجواء شبه ايجابية. لكن النزاع السعودي الايراني عاد مجدداً الى التوتر، وبدا ذلك جلياً في تبادل الاتهامات بين مسؤولين ايرانيين وسعوديين خلال مؤتمر ميونيخ للأمن.
واتهم المندوب الايراني السعودية ودول الخليج بتمويل الارهاب وارسال المقاتلين الاصوليين الى سوريا، فرد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ان ايران هي دولة راعية للارهاب واستقبلت قيادات القاعدة وربما قد ابرمت صفقة مع «داعش» وان الدستور الايراني يدعو الى تصدير الارهاب.
بالمقابل شهدت العلاقات الاميركية الايرانية تبدلاً في العلاقات بعد استلام ترامب زمام الحكم في الولايات المتحدة. وقد هدّد بشن حرب على ايران ليس فقط بسبب دعمها للارهاب، بل بسبب اجراء اختبارات على صواريخ بالستية تهدد وجود القوات الاميركية في المنطقة وتبدل موازين القوى فيها.
ولا شك ان التوتر السعودي – الايراني والتأزم في العلاقات الاميركية الايرانية سيزيدان مهام الرئيس عون تعقيداً وصعوبة. ورغم قيام الرئيس عون بزيارة السعودية ودول خليجية اخرى في مسعى منه لاعادة تفعيل العلاقات اللبنانية العربية، لكن عون سارع خلال زيارته الى مصر الى طمأنة ايران وذراعها العسكري في لبنان واضفى صفة الشرعية على «حزب الله» وسلاحه، بعد ان تجاهل ذكره خلال خطاب القسم في البرلمان. واطلق الرئيس عون عدة مبررات، منها ان اسرائيل لا تزال تحتل اراضٍِ لبنانية وان الجيش اللبناني لا يزال ضعيفاً. هكذا بسحر ساحر اضفى الرئيس عون صفة الشرعية على سلاح حزب الله.
وحاول احد اعضاء التيار سيمون ابي رميا تبرير هذا الاعلان الرئاسي مذكراً ان التيار الوطني هو ملتزم باتفاقية مار مخايل مع حزب الله، وهو يحترم بالتالي تعهداته السابقة. ولكن ابي رميا حوّل الرئيس عون والتيار الوطني الحاكم الى فريق سياسي يلتزم باتفاقيات سابقة ومتناسياً ان الرئيس عون هو رئيس كل البلاد، وان التزاماته السياسية السابقة اصبحت من الماضي بعد دخول عون قصر بعبدا. واصبح لعون صفة جديدة تشمل كل لبنان واللبنانيين.
كما يواجه العهد الجديد مسائل شائكة عديدة، اهمها اعتماد قانون انتخابي جديد يضمن سلامة التمثيل للمكونات اللبنانية. ويبدو ان هذه المهمة اصبحت شبه مستحيلة، لأن الاصلاح يصطدم مع طبقة سياسية ربطت مصير طوائفها ومذاهبها بوجودها السياسي، كما ارتبطت مصالحها بالمناخ السياسي الفاسد الذي ساد عقوداً في البلاد.
زد على ذلك المطالبة برفع الضرائب على المواطنين المنهكين اصلاً بسبب الاوضاع الاقتصادية المتردية ونسبة البطالة المرتفعة ووجود مليون ونصف لاجئ سوري يزاحمون اليد العاملة اللبنانية. ضف على ذلك الفساد المعشعش في الدوائر الحكومية من خلال التوظيفات السياسية غير المنتجة، واختلاس المال العام وسوء ادارته.
لذا تطالب القوات اللبنانية بمعالجة هذه الامور اولاً قبل التفكير بزيادة الضرائب على المواطنين.
لائحة القضايا المعقدة لا تحصى ولا تقدّر، بالاضافة الى تأزم الاوضاع الاقليمية، وهذا ما يفسر اطلالة السيد حسن نصرالله مرتين لتوجيه رسائل مباشرة الى السعودية ودول الخليج والى اسرائيل على حد السواء ليدعي ان المقاومة تسعى الى حماية الداخل. فيما يرى آخرون ان «حزب الله» يزيد من حدة الانقسامات المذهبية بسبب انخراطه في النزاعات المجاورة في سوريا واليمن والامارات والعراق بحجة مقاومة المدّ الاصولي والارهاب الداعشي…
لذا يعيش اللبنانيون اليوم موجة من القلق غير مستغربة بعد ان اعاد التأزم السعودي – الايراني وتصفية حسابات بين اطراف دولية واقليمية قد تدفع لبنان الى دفع اثمان غالية من امنه واستقراره واقتصاده ومساعي اعادة بناء الدولة فيه.
المفارقة العونية تكمن في وقوف الرئاسة الاولى الى جانب المقاومة ( حزب الله) فيما يقف الشعب اللبناني الى جانب الجيش الوطني للتصدي الى اي اعتداء محتمل. كما يؤيد اللبنانيون ان يبقى قرار الحرب والسلم قراراً لبنانياً وليس قراراً ينص ويفرض علينا من الخارج فقرار الحرب هو بيد السلطة الشرعية وليس اية سلطة اخرى مهما عظم حجمها وقدراتها القتالية .
يتتبع اللبنانيون اليوم بكثير من الحذر ارتفاع التوتر الاميركي الايراني كما يتتبعون كيفية تعامل الرئيس عون مع هذه القضايا الداخلية والمستجدات الاقليمية.
ويخشى اللبنانيون ان تتحول البلاد مرة اخرى الى احدى ساحات المواجهة غير المباشرة للنزاعات العربية الايرانية وللصراعات الاميركية الاسرائيلية المناهضة للتمدّد الايراني ولوجوده في الجنوب اللبناني بواسطة حزب الله.
فهل سيتمكن الرئيس عون من تحييد لبنان كما يتمنى الاوروبيون ويرغب الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ام ان العهد الجديد سيقود مع آخرين حرب «عليي وعلى اعدائي…» التزاماً بتفاهمات سابقة يجد التيار الوطني نفسه ملزماً باحترامها على حساب المصلحة الوطنية.
pierre@eltelegraph.com
جمهورية عون من جدة الى طهران
Related Posts
وباء كورونا والحرب العالمية الثالثة