بقلم بيار سمعان

الحياة المعقدة لدي رئيس الوزراء مالكولم تيرنبل تتجه نحو المزيد من التعقيدات عندما يقف سيناتور جنوب استراليا كوري برناردي في مجلس الشيوخ ليعلن رسمياً انسحابه من حزب الاحرار.

ومن المتوقع ان يقدم برناردي على هذه الخطوة في النهار الاول لبدء الجلسات البرلمانية خلال هذا العام.

وان كان هذا القرار لا يؤثر على مصير الحكومة، غير انه سيجعل المفاوضات مع الاحزاب الصغيرة والمستقلة اكثر صعوبة.

لكن رحيل برناردي هو دليل آخر على التوجهات السياسية التي بدأت تسود العالم الغربي، خاصة منذ انتخاب الرئيس الاميركي ترامب.

وقد لا يفاجأ أعضاء حزب الاحرار بهذا القرار لان برناردي اعلن سابقاً عن عزمه الاستقالة من حزب الاحرار مفضلاً تأسيس حزب “المحافظين” على مثال حزب “أمة واحدة” الذي يتميز بسياسة محافظة ولاقتناعه ان الميول السياسية في العالم الغربي تتجه اكثر فأكثر نحو المنهجية التقليدية وعدم الثقة في المؤسسات القديمة الحاكمة في العالم الغربي، بعد ان أثببت فشلها في معالجة القضايا الكبرى.

فالمشكلة الاولى التي سيواجهها تيرنبل تكمن في عدم قدرته على إرضاء الفصائل المختلفة في الائتلاف عامة وبالتالي فشله في السيطرة عليها.

ويرى البعض ان تيرنبل فشل في اختبار روح القيادة لديه، لذا يسعى عديدون داخل الحزب الى معالجة قضاياهم بشكل مستقل عن قرارات الحزب وباساليب تعكس عدم الرضى عن سياسة رئيس الوزراء. لذا يخطو تيرنبل خطوات حذرة خوفاً من اثارة مشاعر المحافظين ضده.

فرئيس الوزراء السابق طوني آبوت يرفض كزميله من حزب العمال كافن راد ان يذهب بصمت ويختفي من الساحة السياسية بعد ان انقلب تيرنبل عليه وأطاح به.

ورغم ان آبوت لا يمتلك العدد الكافي لاستعادة قيادة الحزب، الا انه لا يزال يشكل تهديداً مباشراً لتيرنبل يستخدمه المحافظون في حزب الاحرار لفرض شروطهم على تيرنبل. ويعتقد البعض ان آبوت يعطل سراً عمل الحكومة، خاصة بعد ان اثبت تيرنبل في اكثر من مناسبة انه يرغب باقصاء آبوت وتحجيمه قدر المستطاع.

ولا يستبعد مراقبون ان يلجأ المزيد من نواب الحزب الى الاستقالة والالتحاق باحزاب اخرى مما يضاعف من حجم التعقيدات والصعوبات التي يواجهها تيرنبل.

ويعتقد المحللون ان مساعي تيرنبل لإرضاء اليمين المحافظ عن طريق تبني موافقة لم تدعم موقع رئيس الوزراء داخل الحزب ولم ترضى وسائل الاعلام.

واهم هذه المواقف تختصر بعدم قبول التصويت على قانون زواج المثليين داخل البرلمان وعدم اتخاذ تدابير عملية لمعالجة التأثير المناخي، لذا ادت مواقف تيرنبل الى نتائج عكسية على شعبيته.

ولابد ان تثير استقالة برناردي ردود فعل داخل حزب الاحرار وتعرضه للمزيد من الانقسامات وتهدد المساعي التي بذلها روبيرت مانزي لدمج حزب الاحرار مع المحافظين. وبدأنا اليوم نعاين المزيد من التباعد والانشقاق مما يهدد اللحمة الداخلية للإئتلاف.

ويرى بعض الوزراء ان ما صنعه حزب الخضر مع حزب العمال سابقاً يتكرر اليوم مع حزب الاحرار. وفيما تشير آخر استطلاعات الرأي ان 30% من الناخبين في استراليا يؤيدون كلا الحزبين بالتساوي، تمكن حزب الخضر من اقتطاع تأييد 10% من شعبية حزب العمال فيما تمكن حزب “أمة واحدة” وحزب كزينافون من استقطاب البقية على حساب شعبية الإئتلاف. وتمثل هذه نسبة عالية من المحافظين في صفوف الناخبين من الشعب الاسترالي.

السيناتور برناردي طالماً توقع حصول ثورة شعبية ضد الأحزاب الكبرى. لقد أمضى ثلاثة اشهر في الولايات المتحدة وعاين بام عينه التبدل الجذري في مواقف الشعب الاميركي ضد السياسة السائدة في الادارة الاميركية، واقتنع في قرارة نفسه ان موجة من التغيير في المناخ السياسي العام في العالم الغربي لابد انها ستطيح بالاحزاب الحاكمة خلال عقود.برناردي السياسي المحافظ والاقتصادي المتحرر يؤمن انه بالامكان توظيف هذه القوى الشعبية وانه الرجل الملائم للقيام بهذا الدور.

وفي حال قرر برناردي إنشاء حزب جديد فانه سيواجه تحديات من حزب امة واحدة وحزب كزينافون اللذين تمكنا خلال سنوات من العمل السياسي من استقطاب العديد من معارضي الاحزاب الكبرى.

الخطأ الفادح الذي إرتكتبه الاحزاب الاسترالية الرئيسية هو العمل السياسي ضمن حدود ثابتة يتمسك بها حزبي العمال والاحرار على حد سواء.

لكن يبدو ان القرن 21 يحمل مؤشرات مبكرة ان العالم يتجه نحو المزيد من التطرف، ليس فقط في العالم الغربي، بل على مساحة الكرة الارضية بأكملها. وهذا هو امر مقلق.

فهل تحمل استقالة برناردي المزيد من المفاجآت على المستوى الاسترالي العام؟؟