كندة سمارة –  ملبورن

يتصاعد الجدل مؤخرًا بين الغرب والعرب حول أسباب التطرف والإرهاب، ويحمّل كلا الطرفين المسؤولية للآخر حول ما يحدث. حيث يعتبر الغرب بأنّ الدين الإسلامي وأحكامه وقوانينه هم السبب وراء التطرف الحاصل في العالم، بينما يرى العرب بأن أهداف الغرب ومؤامرته على البلاد العربية لاستنزاف ثرواتها هي السبب فيما يحدث. وبغض النظر عن رأي الطرفين بالآخر، فالنقاش هنا ليس بدافع تأييد أو رفض أي من الرأيين، ولا للوصول إلى موقف توفيقي يجمع بينهما، بل كل الغاية من هذا العرض هو تتبع أسباب ما تواجهه الثقافة العربية من عجز في التوفيق بين تاريخها من جهة والواقع المعاصر من جهة ثانية.
فعلى الرغم من تمثّل الثقافة العربية الإسلامية في الوقت الحالي لبعض من مظاهر الحداثة، إلا أنّها ما زالت تعتمد في أساس وجودها على مفهوم الغائية «ويعني أنّ كل ما يجري في الطبيعة وما فيها من عمليات إنما يتوجه إلى تحقيق غاية معينة.» فهدف الحياة الإنسانية محدّد مسبقًا، واستمرار بقاء الجماعة يكون عبر تماسكها أخلاقيًا وخلاصها الديني، والذي يكون دائمًا على حساب الفرد وحريته، وأحياناً على حساب حياته. فالسبيل للوصول معروف ومحدّد مسبقًا، واتخاذ أي طريق آخر مختلف ستكون نهايته حتمًا الخطأ وربما الكفر. في حين اعتمدت المنظومة المعرفية العالمية الحالية، وبعد مخاض عسير، على الإنسان المفكر العاقل باعتباره الركيزة الأساسية التي لها كامل الحق في الشك في أي منظومة غائية تحدّ أو تقلّص من حرية الفرد، فاعتمدت للوصول إلى ذلك بقبول الرأي الآخر وتخطيأه حتى يتم التوصل إلى كافة الأجوبة المُرضية لجميع الأطراف.
وبعرض ركائز المنظومتين نجد أن هناك اختلافًا جذريًا بينهما، فالمنظومة العربية لا يمكنها التأقلم مع المنظومة العالمية المعاصرة ليس فقط لأنها تتحدى ركائزها وشرعيتها، بل كونها تستخدم لغة مغايرة تمامًا عن تلك المستخدمة في المنظومة العالمية المعاصرة. وهذا الفهم المجتزأ يشمل حتى أفراد المجتمع الذين ما زالوا يعطون آرائهم ضمن حدود مصلحة الجماعة وما تعتقد به وتراه مناسبًا دون أي قابلية للنقد أو التغيير. من وجهة النظر التاريخية ما حصل ويحصل للثقافة العربية الإسلامية ما هو إلا بالأمر الطبيعي، فهي لم تمر بهزات عنيفة كما المجتمعات الأوروبية لتصل لحداثتها المعاصرة. فالحداثة العربية بدرجاتها المتفاوتة فُرضت عليها بعد التدخل الأوروبي والاستعماري. فما نقوم به اليوم من ردود فعل لا يختلف أبدًا عمّا قام به أجدادنا في القرنين الماضيين، حينما وجدوا أنفسهم يترنحون بين دائرتين إما تقليد لمظاهر وقشور الغرب أو الانطواء على النفس. فلم تقم الشعوب العربية باتخاذ الحداثة باعتبارها نابعة من إدراكها لأهمية اللحاق بالركب العلمي والتكنولوجي إلا في حالات تكاد تكون معدودة.
في هذه البيئة المعرفية الراكدة، ما زال الطريق للوصول للحداثة الحقيقية في العالم العربي شائكًا وصعبًا، ولن يتم إلا في التخلي عن القواعد المعرفية الحالية، ونقض حقيقي، واعتراف بضرورة التخلص من المرجعية الرجعية الثابتة، وذلك أملاً بالوصول إلى واقع حداثي معاصر.