نمر سعدي – فلسطين
أصحو وبي خدَرٌ
أصحو وبي خدَرٌ، أعود الى المتاهة لحظةً كي أطمئنّ على صديقي أو على فرسي العنيدة. للسنابل أن تميل ولي أنا سربُ الحمام على انكسار الضوء. لي الزيتونُ، لي لونُ القطيفة، لي نهارُ الصحو في كانون الأوَّل، وابتداءُ الحبّ. لا أصحو لكني أريد تتبَّع النسيان كالغرباء، أرمي وردتي للطائر الدوريّ، أُغلق هاتفي الشخصيّ، فالأخبار مزعجة ويزعجني اهتزاز الهاتف الخليويّ. بي مطرٌ يسحّ على الأهلَّة أو شبابيك الغياب، وبي نداءٌ في الزحام عليَّ: هل ما زلتَ تذكر كيف ضلَّل شَعرُها بكَ في المرايا والدروب؟ أرى الذي سأراه من وجع الحروب، ألوك صوَّان المسافة أو أمدّ يديّ للقمر القريب، تمرّ عاصفتان قربي، ثمّ تهدأ في دمي الصيفيّ عاطفتان، لا يُغشى على أحدٍ سوايَ لأنّ شخصاً ما غريباً أو تعيس الحظّ مات اليوم، أو عمراً جميلاً فات في هذا الزمان العنصريّ الوغد وابن الكلبِ، هل سأرى الذي سأراهُ، أو يُغشى على أحدٍ سواي؟
***
نمشي ونرسم طائرين
نمشي ونرسم طائرين على الجدار، لأنّ ظلَّاً ما خفيفاً شعّ من حجَر، لأنَّ حمامةً ناحت وراء السروة الخضراء. كنتُ أقيس عمري مرَّةً بالسرو، أو بحرائق العنقاء تفتح لي جفوني، أو سماءَ القلب. لم تذهبْ سدىً يا عُمرُ، لم يذهبْ صدى الرؤيا ولا هذا النهار سدىً، لكنّ الحنين يئنّ في الدم مثل صوت الماء أو صوت الزلازل كلَّما جاء الشتاء، وأصبحتْ في عهدةِ امرأةٍ قصائدُ شاعرٍ غيري، انحنى قلبي وكانتْ صخرة الآثام لي في الأرض أو قمر البصيرة، زهرة البريَّة الأولى وشمس البيلسان.
***
دوار
بي دوارٌ وبي لغةٌ لا تضيء الزنابق في أوَّل الليل. بي حبقٌ منزليٌّ يشقّ الطريق إلى ما يريد. دوارٌ أكيدٌ، سأمضي به، وستمضين للغيب يا امرأتي كنهايات بعض السنين. تأخَّرتِ عن موعدي وتغيَّرتِ مثل الفصولِ، لكنني لم أعد مثلما كنتُ أيضاً أنا. ضاعَ فردوس روحي وقلبي تصدَّع في موجةٍ غير مرئيَّة، وتبدَّدَ في آخر البحر. عينايَ مشدودتان إلى نجمةٍ غير مرئيَّة في الظهيرة، والأقحوانة قد أكلتها الضباعُ
***
حَجَلٌ زئبقيّ
الوميضُ، العبارةُ، خيطُ المجاز الذي يتدّلى من الشرفة، المَطرُ الصلبُ في الخارج الآن، عاصفةُ الناي في القلب، رائحة الذكريات، المناديل، طعم السحاب، السرى في الظلام، البروق، السماء، الرؤى، الأغنيات، أفكِّر: كيف تنام العصافير تحت الرعود ونقر الشتاء؟ وفي لحظةٍ أتذكَّر أنَّ فتاةً من النرجس الحلبيّ ومن زبد البرق تنطفئ الآن شمسُ أنوثتها، ثمَّ تنأى وتنسى نصاعة قمصانها فوق مشجبها المهاغونيّ. كيفَ أروِّض هذا الغياب إذاً؟ كيفَ أشرح أنّ الشتاء يعيدُ توازنَ روحي التي اصطادها الحجَلُ الزئبقيُّ الذي أطلقته الرسائل خارج هذا الزمان؟
***
أهذي كمن في نومهِ يمشي
هي لم تكن يوماً هناك، وربّما كانت ولم تُخبر بأنّ الطائفيِّين الذين تناسلوا قصُّوا ضفيرتها التي في الريح ربَّتها وفي سهل السنابل طفلةً وصبيَّةً، وتعهّدوا دمَها المُراق على التراب بزمهرير الليل، شقُّوا ثوبَها الذهبيّ، فستانَ العروس، ونخَّلوا جسد الزنابق بالرصاص الحيّ. أبناءُ الحرام تقاسموها بينهم مثل الذئاب، كأنها تفَّاحة الشهوات، أو ثمرُ الخطايا الحلو. كانت طفلةً، لم تُصبح امرأةَ الغواية بعد، من فمها تغار براعم الليمون، من أجفانها قمرُ البنفسج، في وصيّتها الأخيرة لم تقل شيئاً، ولم تذرف دموع القهر فوق نصاعة الكلمات. عانقت الأهلّةَ والصليب، توضَّأتْ، صلَّتْ على ماء البحيرة، أو على جمر الشهادة، أصبحتْ جان دارك في النار الصديقة أو سميَّةَ فوق صحراء العذاب، أو أنني أهذي كمن في نومه يمشي، فلم تكُ مرَّةً يوماً هناك ولم يكنْ أبداً أبو جهل اللعين.