إسراء حسن

على الرغم من قدرتها على فرض نفسها في الساحة الدولية، فإنّ البعض يرى ان السينما اللبنانية تمثل عنصرخوف ورعب وتوتر، خصوصاً عندما تعرض موضوعاً محرّماً او تظهر صورة رجل دين أو شخصية سياسية ما، وباتت أخبار حظر عرض أفلام في لبنان واجتزاء مشاهد منها كأخبار زحمة السير وأحوال الطقس، ويومياً هناك من يشعر بانتهاك لإبداعه أو اغتصاب لحرية تعبيره. لماذا الخوف من «الصراحة» والعيش بين عالمين واقعي وافتراضي يكشفان المستور في حياتنا، أو إذا جاز القول لماذا هذا «الانفصام»؟
إليكم هذه القضية المتفاعلة: «اسمعي»، فيلم لبناني للمخرج فيليب عرقتنجي واجه عقبة قبل عرضه في التاسع من شباط الجاري في صالات السينما دفعت بالمخرج قسراً إلى اتخاذ قرار بتغطية مشهد رجل دين يرتدي زي مشايخ طائفة الموحّدين الدروز، بعد تلقيه اعتراضاً من دار الطائفة يمنع ظهور رجل دين درزي في أي عمل فنّي دون العودة مسبقاً اليه. وتعلو الصرخات التي تعتبر أنّ السينما في لبنان لا تزال غير حرّة وتواجه العقبات جراء خضوعها للمراقبة والتدقيق ومن ثمّ الاجتزاء منها تحت عناوين كثيرة تبدأ من المس بالسلم الأهلي والعيش المشترك وصولاً إلى انتهاك خصوصية رجل الدين او السياسي.
الفيلم رومنسي نفّذ بأسلوب الأفلام الأوروبية وتحديداً الفرنسية، يتخذ عنصر الحبّ كأحد أشكال البقاء على قيد الحياة من خلال رحلة حب تجمع شاباً وشابة وتأخذهما إلى عالم الصوت، ويؤدي بطولته هادي بو عياش وربى زعرور ويارا بو نصار، اضافة إلى مشاركة الممثلين رفيق علي أحمد وجوزف بو نصار ولمى لاوَند.
من يشاهد الفيلم، وبحسب الخلفية الثقافية المتجذّرة في عقول كثيرين،  قد يتوقع وضع العقبات أمام المشاهد الحميمية التي أوجدها المخرج في فيلمه ضمن المعالجة السينمائية لقصة الحب، لتكون المفاجأة بالاعتراض على مشهد مدته ثوانٍ معدودة وربما من يتابع الفيلم لن يتذكره.
في المقابل، توضح أوساط من طائفة الموحّدين الدروز أنّ ظهور رجل يرتدي زيّ مشايخ طائفة الموحدين الدروز في أي عمل فنّي يحتاج إلى موافقة مسبقة من دار الطائفة نظراً إلى ما يتطلّبه ارتداء هذا الزّي من جانب رجل الدين من التزامات وواجبات دينية وعقائدية.

وتشدّد على أنه جرى بحث لهذا الأمر مع المخرج عرقتنجي، وأوضحت أنّ «هذا الأمر يتعلق بخصوصية رجال الدين ولا علاقة لنا بأي من المشاهد الأخرى التي يتضمنها»، مؤكدة انها مع الحريات العامة والفن الراقي، إلا أنّ تواجد رجل دين درزي بزيّه التقليدي في فيلم يتحدث عن قصة حب ويتضمن مشاهد حميمية يخدش أحاسيس العديد من رجال الدين داخل الطائفة ويضعنا امام مسؤولية روحية ودينية». وتؤكد الأوساط أنها نقلت إلى المخرج احترام دار الطائفة للفن الذي يقدّمه، لافتة إلى أنه «لو تمّ الاستعاضة عن رجل الدين برجل مسنّ كان المشهد سيقدّم المضمون نفسه، والموافقة على اعتماد الخلفية السوداء في المشهد وليس الحذف نابعة من عدم رغبتنا في إلحاق الضرر بمجهود المخرج، مشددة على انّ هذا الاجراء لا علاقة له بالحريات العامة».

عرقتنجي غير مسرور
عرقتنجي لا يريد أن يزعج احداً، هو غير مسرور لما حدث لفيلمه، ولكنه أرادَ من الفيلم ان يقدم الحب، ويؤكّد لـ»النهار» أن «حذف مشهد رجل الدين غير وارد في عرضه الأول في صالات السينما في التاسع من شباط المقبل»، معللاً السبب بأنه يعرّض حبكة الفيلم إلى انتقاص ويحدث شرخاً في مضمون القصة. ويقول: «لو علمت ان الزّي الديني يحتاج إلى موافقة لما خضت هذه المخاطرة وتسببت في ازعاج عملي وازعاج غيري». إلا ان عرقتنجي مرتاح لأنه أبقى على فكرته ولو أنّ مشهداً في الفيلم تعرّض الى التشوّه، ويشدد: «لا أريد ان أكون عدائياً، فأنا أتكلم في فيلمي عن الحب وأريد ان أبقى في الحب».

ماذا عن لجنة الرقابة؟
يقول أحد المعنيين في لجنة الرقابة التابعة للأمن العام اللبناني لـ»النهار» أنّ سيناريو الفيلم حاز موافقة أوليّة للسماح له بالتصوير، وبعد انتهاء التصوير اطلعت عليه اللجنة، نالَ إجازة عرض من دون اقتطاع أي من مشاهده حتى الحميمية منها ضمن تصنيف لمن هم فوق سن الثامنة عشرة، لافتاً إلى انّ حجب مشهد من الفيلم شأن داخلي بين المخرج وطائفة الموحدين الدروز، ولا صحة لما يتم التداول فيه عن منع أو إعادة نظر في الفيلم من جانب لجنة الرقابة.