كندة سمارة – ملبورن
عادة يجمع بين الأفراد القاطنين ضمن رقعة جغرافية معينة، تاريخ وثقافة وانجازات وحتى اخفاقات مشتركة، فيصبح لديهم انتماء وطني لذلك المكان ينتج عنه هوية وطنية… وحين نتحدث عن الوطنية السورية، نذهب مباشرة إلى تلك الأرض التي بدأت معالمها بعد اقتسام تركة الرجل المريض … وفي بدايات القرن الماضي ولدت الدولة السورية الأولى، وكانت الوعاء الذي جمع الجميع … فتلاقت فيها الأديان بجميع تفرعاتها، وتجاور فيها العرب والأكراد والسريان الآشوريين والتركمان والشركس والأرمن بجميع فرقهم الفرعية. وبما أن سورية بوابة الشرق، ولأسباب إقليمية ودولية، كان عليها أن تخوض من فترة إلى أخرى امتحاناً في الوطنية.
فعلّق جمال باشا السفاح نخب الوطنيين السوريين على مشانق بيروت ودمشق، إلا أن الوطنية السورية نجحت بتخليد ذكرى أبطالها وأطلقت اسم ساحة الشهداء في كل من دمشق وبيروت. وبدخول الفرنسيين دخلت الوطنية السورية امتحاناً آخر حيث رفض السوريون تقسيم البلاد ولم تتوقف المظاهرات طلباً للوحدة، كما رفض العلويون والدروز التقسيم الذي أنشأ لهم… كانت الرسالة الوطنية السورية ذات بيان واضح وهو توحيد سورية ساحلاً وداخلاً … فنجحت الوطنية السورية في امتحانها الجديد. كما نشأ مشروع «الدولة الوطنية» في سورية برئاسة هاشم الأتاسي، ذلك المشروع الذي أنتجته جمعية تأسيسية بقيادة إبراهيم هنانو فضمّت عربي وكردي وتركماني ومسيحي.
نعمت سورية وبظل دستور 1950 في مرحلة من الاستقرار والتفاعل الوطني، وعلى الرغم من عدم خلوه من العيوب إلا أنه أرسى اللبنات الأولى للدولة الحديثة ووضعها في طريق النهوض… فدخلت سورية دولة الوحدة مع مصر دون ديون خارجية وبميزان تجاري رابح… في عام 1958 بدأت المحنة الجديدة للوطنية السورية… حين ساد خطاب عروبي أثناء الوحدة بين سوريا ومصر متجاهلاً خصوصية سورية الجامعة… تبعه في عام 1962 إقصاء عشرات الآلاف من الأكراد السوريين وحرمهم من الجنسية.
بالطبع لدى السوريين تاريخ مشترك والكثير من الرموز الوطنية والسياسية ليتفاخروا بها من يوسف العظمة، وابراهيم هنانو، وحسن الخراط، وسلطان باشا الأطرش، وصالح العلي، وشكري القوتلي، وفارس خوري، وغيرهم الكثير … إنّ السؤال الحاضر في الأذهان، هل سيقبل أحفاد اليوم ما رفضه أجدادهم.