لميس طوبجي-سيدني
لا أستطيع أن أكتب عن دمشق دون أن يعرِّش الخوف على أصابعي لا الياسمينُ كما قال نزار قباني .. ولا أستطيع أن أنطق اسمها دون أن يكتظ فمي بعصير الدمع والحزن والوجع والغصة لا بعصير المشمش والرمان والتوت والسفرجل كما أحسَّ نزار ..
أقدم مدينة مأهولة في الأرض دمشقُ .. حالها كحال جميع مدن الأرض تمر عليها أيام رخاء ونعمة وتعاني من فترات بؤس وشدة .. ولأن الوطن حين يكون في خطر يجب على جميع أبنائه أن يُصبحوا جنوداً كما قيل ..فلا بد أن يدافع كل جندي على طريقته الخاصة .. صباح يوم الأربعاء الواقع في الثاني عشر من الشهر العاشر وفي الساعة الثامنة والنصف تجمع عدد كبير من الشبان والشابات أمام مبنى وزارة السياحة بجانب التكية السليمانية عند جسر فكتوريا .. لا رغبةً في الذهاب إلى الجامعة أو العمل ولا رغبة في الهجرة .. بل من أجل الوطن .. تجمَّع الشبان منضمين إلى الحملة التي أعلن عنها فريق «دمشق 2020» .. حملةٌ لتأهيل منطقة جسر الرئيس ونهر بردى .. تطوع العشرات من الشباب السوريين من أجل دمشق .. إضافة إلى وزير السياحة السوري بشر اليازجي .. وشارك في الحملة ثمانية شبان فرنسيون .. شمر الجميع عن سواعد عزيمتهم وبدؤوا بالعمل .. توحِّدُهُم قبعاتٌ وقمصان وقلوب بيضاء .. انطلقوا ينظفون الجدران من الملصقات وينظفون مجرى نهر بردى من الأوساخ ويقومون بطلاء الأعمدة والجدران والمنطقة الممتدة على جانبي الجسر .. ولم يكتفوا بتزيين المنطقة بوجودهم ونشاطهم بل زينوها بنباتات دائمة الخضرة .
الوطن يبقى جميلاً في عيون أبنائه مهما حدث لكنه يغدو أجمل حين يصبح سليماً معافى .. ولكي يصبح أكثر جمالاً شارك السوريون في حملة النظافة التي استمرت أربعة أيام .. سوريون من مختلف الأعمار .. شباب وأطفال وكبار .. سوريون على هيئة قلب واحد ينبض بحب الشام .. حاولوا إعادة الجمال وزرع زهرة ياسمين تنبض بالأمل .. مجسدين قول نزار :
والحب يبدأ من دمشق .. فأهلنا عبدوا الجَّمال وذوبوه .. و ذابوا
يستحقُّ هؤلاء الشبان الشكر الجزيل على عملهم وعلى محبتهم لدمشق وعلى إضاءتهم شمعة بدلاً من لعن الظلمة .. وكأن كلام أحمد شوقي موجه إليهم حين قال:
يا فتية الشام شكراً لا انقضاء له لو أن إحسانكم يجزيه شُكران..
صحت دمشق صبيحة يوم الأربعاء على أياد متشابكة تعانقها.. عساها تصحو يوماً على زقزقة حمائم السلام ترفرف فوق سمائها ..