عادل الأسطة

ثمة سؤال يراود قارئ، رواية «أولاد الغيتو» ودارسها، ويلح عليه هو: ما هو شكل الرواية التي يكتبها أكاديمي وناقد؟ وما هو موضوعها؟ وهل تحضر فكرة الرواية في الرواية؟ وهل يلح الشكل الروائي على ذهن بطل الرواية؟ وكم من المقولات النقدية تحضر في المتن؟ وكم رواية يمكن أن يكتب الأكاديمي والناقد الروائي؟
أسئلة عديدة في سؤال واحد لا شك، وهذا كله له حضور في رواية إلياس، وأولها إشكالية التجنيس التي حضرت في المقدمة التي كتبها المؤلف، ثم حضرت في المتن على لسان آدم. ولما كنا نوحد، أحياناً، بين إلياس وآدم، وأحياناً لا نوحد، فقد أفسد علينا إلياس مهمتنا ومهنتنا حين أقرّ في مقابلة حديثة معه أنه هو آدم:
«لكنك تخترع ألعاباً تتعلق بتضمينك جزءاً من سيرتك الذاتية، أثناء اشتغالك على الرواية، مثلاً في بداية «اسمي آدم». (كلمات، 21/5/2016، ملحق كلمات) يسأل مازن معروف إلياس، فيجيبه:
«هذه خدعة طبعاً. إلياس خوري هو الذي كتب هذه الوثائق. هو الذي اخترع شخصيات آدم وغيره. بعض الناس اتصلوا بي قائلين: أين وجدت آدم؟ وأين يعيش الآن؟ عرفنا به؟ فأجبتهم: آدم هو شخصية من ابتكاري. هل يعقل أن أكون وجدته وآخذ حكايته وأضعها تحت اسمي؟ شو أنا نصّاب؟»
في مقدمة الرواية يثير إلياس سؤال التجنيس:
«سوف يلاحظ القارئ أن هذه الدفاتر تتضمن نصوصاً غير مكتملة، تراوح بين الرواية والسيرة الذاتية، وبين الواقع والتخييل، وتمزج النقد الأدبي بكتابة الأدب. لا أعرف كيف يمكنني تصنيف هذا النص من حيث الشكل أو المضمون، فهو يمزج الكتابة بكتابة تمهيدية، ويخلط السرد بالتأمل، والحقيقة بالخيال، كأن الكلمات تصير مرايا الكلمات، وإلى آخره..» (ص16) ويعود الكاتب لإثارة بعض هذه التساؤلات والأفكار في ص151 وص290 وفي صفحات أخرى 29، 98، 109، 99، ولكن على لسان الشخصية الرئيسة آدم. ولا عجب في هذا، بعدما أقر إلياس أن آدم من اختراعه. وهنا يمكن أن نسأل: أما كان الأجدر بالمؤلف أن يتخلى عن كتابة المقدمة، بل والإشارات التي أوردها في ص421 من الرواية؟
لقد أعفى إلياس خوري ناقده من مهمة البحث عن أوجه التشابه والاختلاف بين المؤلف والسارد والشخصية، ولما كان السارد في الرواية، غالباً، هو الشخصية، فيمكن دمج السارد والشخصية معاً، إلاّ في الحالات التي كان يروي فيها راو آخر، مثل مراد العلمي. هكذا في هذه الرواية نجد أنفسنا أمام مؤلف وسارد/ شخصية ـ أي أمام اثنين، لا أمام ثلاثة: سارد وكاتب وشخصية، فالسارد هو الشخصية، وكان يروي بضمير الأنا، وبعد إقرار إلياس، في المقابلة، بأنه هو آدم أمكننا أن نوحد بين الثلاثة بلا تردد، وزال الحذر الذي كنت ـ بوصفي ناقداً ـ أمارسه وأنا أكتب عن الرواية.
وأنا أقرأ «أولاد الغيتو» أخذت أتساءل، بعد أن أيقنت أن إلياس هو آدم: كم رواية كتب إلياس خوري حقاً؟ وتذكرت جبرا إبراهيم جبرا ورواياته وما رآه الناقد حسن خضر حين كتب مرة عن رواية «يوميات سراب عفان»: سيرة ذاتية/ روائية متواصلة، وقلت: هل كتب إلياس أيضاً في مسيرته الروائية رواية واحدة؟ وربما أعود إلى هذا السؤال، لاحقاً، لأجيب عنه، وذلك من خلال تتبع سارد إلياس في رواياته، وهو سارد مهما اختلف واختلفت ثقافته يبقى إلياس نفسه.
حقاً كم رواية يكتب الأكاديمي، وإلياس يُدرّسُ في جامعة نيويورك، حين يكتب الرواية؟ وإذا كان الأكاديمي ناقداً فكم من النقد يحضر في روايته، بل في رواياته التي يكتبها؟
إلياس خوري والناقد (سانت ييف):
(سانت ييف) ناقد فرنسي عاش في القرن 19، وعرف بصانع الصور، ولم يَدْرُس إلاّ معاصريه، ورأى في القدماء تماثيل مهشّمة، وكان منهجه يقوم على أساس جمع المعلومات عن الأديب المدروس، أو السياسي المدروس، أو المرأة المدروسة، من كل من له صلة به؛ من أصدقائه وتلامذته ومعارفه وأساتذته وأعدائه.
والحقيقة أنني وأنا أقرأ رواية إلياس هذه استحضرت (سانت ييف) مرات عديدة. كأن (سانت ييف) كان في لاوعي إلياس وهو يكتب روايته. وسوف أقتبس العبارات التالية التي تذكر بمنهج الناقد الفرنسي وطريقته في الكتابة:
«ووجدت أن من العبث أن أتحقق من حكاية مات شهودها جميعاً» (ص115)، «كما اتصلت بكثير من الناس الذين يقيمون في اللد من أجل جمع شهاداتهم عن تلك الأيام» (ص189)، «فأنا لا أكتب شهادة، بل أكتب حكاية مأخوذة من مزق الحكايات، أرتقها…» (ص293)، وَيُسَرُّ آدم حين يلتقي في نيويورك بمراد العلمي الذي عاش في غيتو الرملة، لأن آدم يريد أن يكتب حكاية اللد «وأبحث عن شهود لأيام الغيتو» (ص371)، والكتابة تطول….