كندة سمارة – ملبورن

غريب كيف أن الموت في سوريا يبدو بالحدث العادي الذي لا يوقظ الضمائر، وكأنه قد كُتب على السوري أن يعيش شتاته دون أن يكون هناك أي حل لمشكلته … فتأمين وجود مناطق آمنة يبدو أنه بالطلب المستحيل، كما تقف الدول عاجزة عن إنجازه مع أنه لا يتطلب أكثر من قرار دولي يقوم به الكبار…. فأمريكا التي حصرت مسؤوليتها بالتصويت لمبعوث أممي، اقتصرت مهمته بالتعبير عن قلقه عند قيامه بأي رحلة من رحلاته المكوكية … وحتى الرئيس الأمريكي نفسه غير راغب بالحصول على أية ملاحظة قد توجه له من مدير قسم الجوائز بعد أن قلّده جائزة نوبل للسلام… هذا السلام العاجز أمام ما يحصل في سوريا.
في دراسة كانت قد أجريت في تسعينيات القرن الماضي على مجموعة من الطيارين الشباب بعد أن أثبتوا قدرة غير عادية في تعلم فنون الطيران وخصوصاً في التحليق المناورة … حيث تبين أن للألعاب الالكترونية بالغ الأثر على قدرتهم الدماغية، فأصبحوا طيارين بالفطرة، وتجاوزوا الأجيال السابقة بالإقدام والجرأة…. كما انعدم إحساسهم بالخوف، فأصبحوا أكثر ألفة واستجابة بحكم تعودهم على المشهد البصري الذي تقدّمه تلك الألعاب، والتي منحتهم إحساسا بالمنعة من الخطر. فتغيّر مفهوم الحياة بالنسبة إليهم، ومفهوم القتل أصبح بالأمر البسيط، فضغطة واحدة كافية لإنهاء حياة عدوي والذي وبحسب الألعاب سيظهر لي مجدداً …. فأصبح مفهوم الحياة لديهم رخيصاً… فلا أحد يحصي عدد القتلى على الشاشات الالكترونية، ولا أحد يحصي عدد القتلى في الهجمات الحقيقية … ومع مرور الوقت لم يعد أحد يهتم بأعداد القتلى ولا حتى بتبرير ذلك القتل فقد تحولنا إلى أرقام.
على الرغم من بشاعة الكارثة، وتعثّر العدالة في التعاطي معها إلا أن السؤال يبقى حاضراً في الذهن… هل سيستيقظ الضمير الإنساني ويبدأ بإطلاق مشروعه في تحريم كل سلاح، هل هناك أمل بمحاسبة صانعي تلك الأسلحة أساساً واعتبارهم مجرمي حرب … فالقتل هو القتل، سواء كان بسلاح كيميائي أم بسلاح عنقودي أم بسلاح فوسفوري أم حتى بالسلاح التقليدي…. كما أنّ العالم جميعه مسؤول عن الكارثة التي تحدث، لقد صارت سوريا أكبر امتحان للضمير العالمي كله.