كندة سمارة – ملبورن

طلبت مني سيدة مصرية أن أشاركها الكتابة على موقعها الموجّه لمناصرة المرأة، وكانت قد أخبرتني سابقاً أن الهدف من هذا الموقع هو نصرة النساء، وإيصال صوتهن إلى أنحاء العالم. ولشدة لباقتها وجدت نفسي غير قادرة على رفض الطلب، فلطالما تميّز أهل مصر باللباقة والكياسة والقدرة على الاقناع.
تصفحت الموقع، كانت عناوينه تبعث على الأمل… فبرامج لمحو الأمية، إلى حق المرأة في التصويت والمشاركة السياسية، إلى برامج توعية صحية، وورشات دعم نفسي، وغيرها من المواضيع الهادفة. كانت النساء في هذا الموقع جميعهن ملونات إما بثيابهن أو بنفسياتهن، فالمرأة كما تعلمون هي التي تعلن بداية الحداد ونهايته، بداية العيد ونهايته، وهي من يفتح النوافذ لتشرق شمس الصباح.
تأملت هذا الكم الهائل من التفاؤل على الموقع، وكمية الابتسامات المتناثرة هنا وهناك، شعرت بالأسف والخجل معاً …. شعرت بالأسف فكيف لي أن ألوّث هذا الجمال بألواني القاتمة، فمخزوني من الصور اقتصر على صور التهجير والدمار ورائحة الموت….
عذراً صديقتي فقد أصبحنا لا نعرف أن نكتب شيئاً بعيداً عن دمار تلك الحرب…. كما أني أشعر بالخجل أمام هول ما خسر غيري من أرواح وأحباء وبيوت وأحلام وأنا هنا قابعة في بلد آخر أكتفي بمتابعة الأخبار… أشعر بالذنب بسبب شوقي إلى أمور قد تكون تافهة، فأريد «معمول العيد،» وزعتر حلب، وحارات الشام، وصياح بائع الغاز، وجمعة الأعياد … أشعر بالألم حين ينهي أحدهم محادثته معي بقوله «الله يحميكِ» أو بسؤاله إن كنت أريد شيئاً…. حينها فقط أدرك معنى الحب… فالحفاظ على حياة من نحب أصبح هو الهم… لم يعد تحضير الطعام مهماً بقدر وجوده، ولم يعد أثاث البيت مهماً بقدر وجود البيت أصلاً… فالمدن تهدمت، والآلاف بلا مأوى، تمزقت البلاد وتمزقت القلوب، والمحظوظون منهم يجلسون بإحدى المقاهي بانتظار قذيفة ستهبط هنا، أو هدنة ستخترق هناك، وكلمات قد تتناثر مع أشلاء في أرجاء المكان.