كندة سمارة – ملبورن
من المؤسف أن نجد العديد من المسلمين اليوم يقسّمون العالم إلى دار إسلام ودار كفر، وهذه النظرة المتعالية على الآخر كانت سبباً في سقوط الأمة في مستنقع النرجسية والغرور. وعلى الرغم من أن الحوار هنا ليس حواراً فقهياً، بل هو فقط مواجهة فكرية، فإقامة مسلم في بلد متحضر تُحترم فيه حقوق الإنسان والحريات، ويُحتكم إلى قانون عادل لا يظلم فيه أحد… فإن الرواية الأقرب لواقعنا اليوم هي قوله للصحابة اذهبوا «إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد …»
وكما أنّ جزءاً من الغرب على الأرض المسلمة، نجد على الطرف المقابل العديد من المسلمين على الأرض الغربية، فكانت الاندلس وصقلية وجنوب ايطاليا وغيرها من المدن الأوربية جسراً عبرت منه الحضارة العربية الإسلامية نحو الغرب الاوروبي، ونهلت منه بدورها الشعوب الغربية، سواء من علوم الرازي وابن رشد وابن سينا وغيرهم، إن كان بترجمة تلك العلوم والمعارف أو بإرسال البعثات الدراسية والتجارية للبلدان العربية معتبرين أنها آنذاك طوق النجاة للخلاص… ذلك الصراع الذي استمر عقوداً بالتوازي بين الفكر التنويري والظلامي في أوروبا، بين تعصب ديني وطائفي يقابله اصلاح علمي وديني وفكري، متوّجاً رحلته الشاقة أخيراً بنهضة أوروبية شاملة.
لم يقف الغرب موقف المعادي للحضارة الاسلامية بل نهل من علومها ومعارفها، فالموضوع ليس صراعاً بين الحضارات، بل هو تواصل بين الحضارات الإنسانية، والعلاقة بين الغرب الأوروبي والعالم الإسلامي في عالمنا محتومة لا محالة. ومهما كان رأي المتشدد من جهة الآخر، فإن اللقاءات الراهنة بين الحضارات تتداخل وتتشابك فيما بينها. فننهل من علوم أوروبا المتنوعة، والبعض يأتينا من بلدان الشرق الأقصى، والأخرى من أفريقيا وربما روسيا وحتى امريكا اللاتينية.
فعند التطلع إلى العلاقة بين العالم الإسلامي والغربي علينا أن ندرك تداخل وعمق تلك الصلات التاريخية والتي من الصعب فصلها، لذا وجب علينا إعادة صياغة رؤيتنا للآخر الغربي، وإلغاء تلك النظرة العدوانية له فننتقل بذلك من مرحلة تسويد صورة الغرب الكافر، وتجميل صورة الشرق المؤمن، وكل الحق أنه ما من حكم مطلق، فما نحاول تسويده ليس بأسود، وما نحاول تجميله ليس بجميل، فننتقل بذلك من مرحلة التبعية وجدلية المستعمِر والمستعمَر، إلى مرحلة العقل والحكمة.