لافتة كبيرة تعلو دكان في شارع من شوارع الخرطوم وتحمل اسم الشيخ عبد الله الحانوتي. هو شيخ في حوالي السبعين من عمره ولا احد يعرف لماذا ارتبط اسم الحانوتي به مع انه كان يعمل مع والده من زمن بعيد في تجارة الحديد والخردة التي اوصلته الى مرتبة كبار رجال الاعمال اصحاب الملايين. مارس في حياته كل ما يخطر على بال من فسق وفجور وعظائم الامور وكانت لديه مقدرة فائقة في إخفاء حقيقة هذه الافعال عن الناس، فأمامهم الشيخ الورع التقي الذي دائماً يحمل إبريق الماء في طريقه الى الجامع القريب من دكانه الذي يعلق على جدرانه كلمة «الله» في إطار كبير كأنها شهادة على تقواه. كان الشيخ عبد الله ضعيفاً امام النساء فقد تزوج ثمان مرات محتفظاً بزوجته الاولى لانها كما يقول دائماً انها سبب السعد عليه، أنجب منها اربعة من الاولاد وهي دائماً تفرح لفرحه وتحزن لحزنه دون ان تعرف او تناقش اسباب فرحه وحزنه. وكان يستبدل زوجاته كما يستبدل السكير زجاجات الخمر وعندما تفرغ يلقي بها في سلة المهملات. عندما تقدم به العمر تكاثرت عليه الامراض الى ان دخل ذات يوم في غيبوبة واخذ جسمه يغلي ويرتجف فإلتفتت حوله العائلة كأنه ولي من اولياء الله الصالحين مما دفع بأبنائه الاربعة من زوجته الاولى على نقله وعلاجه في لندن فعملوا كخلية من النحل كل واحد حسب نفوذه بالمسؤولين في الدولة.. فواحد لإستخراج التأشيرة والثاني حجز له أحد المستشفيات في لندن والثالث إستخرج تأشيرة الخروج وتذاكر الطيران والرابع احضر كل التقارير الطبية الخاصة بمرضه وإتفقوا على ان يصحبه محمود في رحلاته العلاجية . نقل الشيخ عبد الله الى مطار الخرطوم في عربة إسعاف وكانت الغيبوبة تتناوب عليه وعند وصولهم الى  مطار لندن نقلته عربة إسعاف الى المستشفى وهناك سارع الاطباء على إسعافه وما هي إلا أيام قليلة بدأت الحياة تدب في جسمه النحيل ففتح عينيه فرأى فتيات جميلات ذات شعر ذهبي وعيون زرقاء في ثياب بيضاء مقبلات وغاديات يلمعن كنجول تلمع في سواد الليل فإعتقد انه في الجنة وهؤلاء الجميلات هن حور العين الذي كم سمع عنهن فإتسعت عيناه عندما إقتربت منه واحدة لقياس حرارته وأخذت تتكلم بصوت كتغريد البلابل فإرتعش جسمه وأخذ قلبه يدق وتمتم بكلام غير مفهوم وتوقف فجأة عندما سمع صوت إبنه محمود يقول له: الحمد لله على سلامتك يا بابا.. فإلتفت إليه وقال له: إنت معايا هنا كمان يا محمود في الجنة؟ فقال له محمود: جنة شنو يا بابا، إنت في مستشفى لندن.. فأعاده كلامه الى ارض الواقع وعلم ان هؤلاء الحوريات ما هن إلا ممرضات في المستشفى. نسى مرضه وتمنى ان ينساه الموت ليبقى على قيد الحياة.. ذلك القيد الذي ربما يربطه بحورية من حوريات مستشفى لندن.