لميس طوبجي – سدني
وباتِجاه حلمه مضى .. إنَّها الصَّحراء .. حيث عاش .. يشرب ويأكل وينام ويضحك .. إلى أن شعر بالوحدة والملل .. وامتلأت دماؤه بكريَّات الرِّمال الصَّفراء .. ولأنَّه أحسَّ بالضَّياع أمسك بالبوصلة .. وأمام جهاتها الأربع اختار الشَّمال واستمرَّ في المشي عدَّة أيَّام إلى أن فُتِحَ أمامه بابُ الشّمال واستقبلته مجموعة من الشُّبان .. أمسك بأيدي صداقتهم مُدَّة من السَّعادة إلى أن شعر بالملل من جديد؛ فأمسك بوصلته وباتِّجاه الغرب مضى .. فَتَحَ له رجلٌ بابَ الغرب مُقَدِّماً إليه مكتباً وكرسيَّاً وعمل .. أبدع .. واستمتع .. إلى أن أحسّ أنَّ ثمَّة نقصاً في حياته .. ومن جديد إلى بوصلته وباتجاه الشَّرق هذه المرَّة .. حيث كانت امرأةٌ جميلةٌ أنيقةٌ تنتظره خلف باب الشَّرق .. أنجبت له أطفالاً جميلين .. ورغم سعادته إلَّا أنَّ الفضول دفعه باتِّجاه البوصلة .. باتِّجاه الجِّهة الأخيرة .. باتِّجاه الجنوب .. حيث استقبله باب الجنوب الذَّهبيّ وحصل على الفرصة الذَّهبيَّة ذات الشُّهرة والمجد والمال .. وما هي إلَّا سنوات حتَّى انتابته نخزاتٌ في قلبه وفي حياته .. مَرِض .. ماتت زوجته .. سافر أولاده .. انشغل عنه أصدقاؤه .. ولم يعد قادراً على العمل أو صالحاً للشُّهرة .. تذكَّر البوصلة ومن جديدٍ أمسَكَها ..لكنّ جهاتها توقَّفت عند الرَّقم «أربعة».. جلس وحيداً شعر أنَّ جهة تناديه ليمضي باتِّجاهها .. خاف أن تكون جاذبية التُّراب هي من تناديه .. وضعت السَّعادة والطَّمأنينة يدها على جروح وحدته وجروح وجعه بمجرد أن تحرَّكت روحه باتِّجاه الجهة السَّماويَّة .. شرد قليلاً متمنِّياً أن يعود به الزَّمن ستِّين عاماً إلى الوراء ليتحرَّك باتِّجاه السَّماء قبل أن يستعين ببوصلة الأرض …