كندة سمارة- ملبورن
بصرف النظر عما ترتديه النساء اليوم فستبقى بعض الأطراف تقوم بإطلاق أحكامها المرهونة بخلفيتها الثقافية، على اعتبار أن حصول المرأة على الثناء مرتبط عند البعض بحسب ملابسها…. حيث يرى دعاة الفكر النسوي أن أصحاب الفكر الديني هم الحاجز الذي يقف ضد الحداثة، كما اعتمد الخطاب الراديكالي منه باختزال، بقصد أو دونه، إشكاليّة المرأة العربيّة بتحريرها جنسياً. في حين وجد أصحاب الفكر الديني أن الأصالة والتراث كافية لتحسين ما تصبو إليه المرأة في الحياة الاجتماعية، فاعتمد المتشددون منهم الصرامة في كافة الأمور التي تتعلق بالمرأة، معتبرين أن أي مطلب لحقوقها فيه عدوان على الشريعة. وبهذا أصبحت الهوامش المتاحة ضيقة ولا تتوافق مع احتياجات الواقع والتي تتطلع المرأة إلى تحقيقها.
فالمطالبة بالمساواة الكاملة مع الرجل وتقويض جميع مفاهيم المجتمع الذكوري، دون التنبّه إلى التطوّر التاريخي للمجتمعات العربيّة سيعمّق من الانقسام الاجتماعي، ولن يوفر حلولاً لأكثر القضايا حساسية في المجتمع ستكون المرأة فيها الخاسر الوحيد. إنّ أكثر من ثلثي نساء وطننا العربي أمّيّات، كما أنّ أكثر من ثلث سكانه تحت خط الفقر. إنّ الخطاب النسوي الغربي لم يتشكل إلا بعد قيام ثورة حداثيّة شاملة في شتى المجالات، الاقتصاديّة منها والسياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، لم ينبعث ككتلة واحدة دون أي مقدّمات. إنّ التنوير لا يتم بعمليّة قيصريّة ولا عبر ببيئة غير مناسبة، بل يحتاج إلى إصلاح تدريجي. إن خطاباً كخطاب بطرس البستاني في تعليم النساء عام 1849 قد يكون أكثر قرباً للواقعيّة منه لأي خطاب نسوي راديكالي والذي سيبقى بأحسن حالاته قابعاً في الغرب وغريباً عن البيئة العربيّة.
علينا أن نتفق على ضرورة محو أميّة النساء العربيّات، وتأكيد حقوقهنّ في التعليم والعمل واختيار الزوج وحمايتهنّ من العنف بكل أشكاله، وخصوصاً وأنّهنّ في غالبيتهنّ أميّات ومبعَدات عن المشاركة في الحياة الاقتصاديّة والسياسيّة، وذلك قبل أن نطرح عليهنّ مساءلة المقدس، الأمر الذي ليس متاحاً للمرأة حتى في الغرب الليبرالي. إنّ الخلل الأساسي في الخطاب النسوي الحالي أنّه جعل معركته مع المقدّس بدل مواجهة التخلّف العربي ومحاربته بكل وجوهه فهناك فقط يكمن الأمل بالقيام بنهضة حقيقيّة للمجتمع يكون فيها خلاص المرأة العربيّة من محنتها التاريخيّة.