وديع شامخ
رئيس تحرير مجلة «النجوم»

الضحك تمرين جسدي ثمين للصحة … “ارسطو”

يمثل  الضحك  ظاهرة تعبيرية  إنسانية  عن السعادة والفرح  ، وهو رد فعل فسيولوجي نتيجة التعرض لموقف هزلي أو مشاهدة صورة مضحكة أو سماع نكتة كما يعبر ايضاً عن حالة الدهشة والذهول  كما يتماشى من المثل العربي  “ شر البلية ما يضحك” ، وكما  أشار اليه  عالم النفس الشهير  فرويد في انتباهته الذكية عن  عن الضحك بوصفه  “ظاهرة وظيفتها إطلاق الطاقة النفسية، التي تم تعبئتها بشكل خاطئ أو بتوقعات كاذبة”. والضحك جزء من السلوك الإنساني الذي ينظمه المخ، وهو إشارة إلى تواجد الإنسان اجتماعيًّا، وقبوله للتفاعل الإيجابي مع الآخرين.
تعودنا من مورثنا الشعبي ومن امثاله  التي  تشكل حكمة ورؤية  معينة بان الضحك بلا سبب هو من قلة الأدب  ، وعلى العكس  من هذه النبرة الحكمية القارة،  سنجد  في الطرف الآخر  مثالا يدل على عكس ذاك تماما “ بين الاحباب تسقط الآداب “ ،  ولست بمعرض  تقييم   الامثال  عامة وتقييمها بقدر ما  اريد تناول  موضوع الحساسية السلبية من الضحك  في المجتمع العربي  الذي  يوقر الجهامة والجدية  فيما هو مجتمع مستهلك لا يعرف للوقت قيمة ولا الجدية ولا الصرامة واضحة في سلوكه مجتمعيا.
ولعل مثال الضحك بلا سبب من قلة الأدب ، جاء كنتيجة عرضية لعلم المنطق  الذي  يفيد بوجوب المقدمات الصحيحة   والتي   تفضي الى نتائج صحيحة ، وبهذا الاشتقاق الجزافي صار الضحك بلا سبب قلة أدب  ، اذ لا بد من سبب   ونتيجة لكل ظاهرة وتفصيل.
وكأن حياتنا الاجتماعية  خصوصا قائمة على منظومة متوازنة مستمدة من المنطق  في فضائها العام وقانونها الخاص أيضا.
لكن الحقيقة لم تكن ذاك ابدا إذ  ان  الامثال والحكم احيانا لا تمتد ببصرها  الى  استيعاب حاجة الانسان والمجتمعات  لكل جديد في التفاعل الاجتماعي لخلق بيئة ايجابية ، يتم من خلالها انتاج قيم  وعلاقات غير مبينية على وصايا  مسبقة سواء اكانت امثالا  ام حكما  ، لتجاوزها زمنيا،  حاجة الانسان الى حياته الجديدة التي يصوغها بمعاييره  المستحدثة ،  ولعل الضحك الذي اقصده هنا هو ليس الضحك  المنظور اليه من جهة  قلة اللياقة وعدم الكياسة ، واللهو  والاستخفاف ، الضحك الذي يبحث عن مبرر  له وينضوي تحت اسر المنظومة  الاخلاقية  المتجبرة بكل نوازعها الاقصائية لكل فعل انساني  ايجابي ،   لتغليب القانون  والمنطق على الحياة جميعا بوصفها  اصفادا  لامعة فقط
الخلفاء في الدولة العباسية  كان لهم السبق  في استخدام البهاليل والمضحكين كندماء لهم ، في  الامتاع والمؤانسة ، ولعل حكايات هارون الرشيد والسيدة زبيدة في هذا الباب  اشهر من أن  تعاد هنا .
الضحك الذي  أعنيه هو حاجة نفسية وفكرية معا وموقف من المجتمع ، فلو ذهبنا مع العلم  في فوائد الصحك لوجدنا  فوائد  عظيمة على صحة القلب والرئتين والدماغ  وتنظيم نسبة السكري في الدم  ، تحسين وظيفة الجهاز  المناعي، نوم مريح ، لياقة بدنية ، تصفية الدهون ، التخلص من التوتر ..الخ ،  ولو اعتمدنا الكوميديا  سلاحا لنقد الظواهر السياسية والحكام  لوجدناها سلاحا ماضيا  فتاكا ، فقد قيل أن الرئيس  المصري جمال عبد الناصر  استخدم  جماعة  من العسس  للاستماع الى النكت والطراثف التي تروى عنه ، كيف يعرف قياس ونبض الشارع والرأي العام في   نظامه  ، وكذا  استخدم الرئيس السوري  حافظ اسد الكوميديا  من اجل امتصاص  النقمة الشعبية او التنفيس عن مكبوتات المجتمع السوري ، وكأنها تطهير  بالمعنى الأرسطي .
لا ضحك  بلا سبب ، بل لا سبب للضحك  احيانا ، فهو غير مرتبط شرطياً  بمنظومة قيمية أخلاقية فقط   كما رأينا  في سياق المقال ،  الحياة الانسانية تحتاج الى  زيت  قائم لديموتها ، تحتاج الى حراك  اجتماعي ،  تحتاج الى  عقل متوقد ورؤية واضحة تستثمر كل المعطيات والطاقات الإنسانية للتعبير عما يجول في مكنونها  الداخلي ، ولعل الضحك أبلغ بيان   للقيام بهذا الدور المزدوج ، فهو  ان كان  بلا سبب  سيدخل في خانة قلة الحياء  وربما الجنون ، وسيحقق الضحك  غايته  بلافتة  مستترة ، وكأنما الضحك يعيد للجنون  وقلة الأدب هيبتها  في مقارعة الصرامة والكياسة الاجتماعية والسياسية الفارغة ، وان كان الضحك بسبب  فهو يقدم   نفسه  بكامل  عافية العقل  العربي  لان  الضحك بلا سبب من قلّة الادب.