كندة سمارة – ملبورن

قد يكون من العسير جداً تغيير عادات مجتمع ما زال يقبع أفراده في عقلية بدائية فيرفضون ويحاربون كل جديد، محافظين على ثقافة التقليد الأعمى دون إعطاء أي فرصة للعقل في الجدل أو التفكير. الحقيقة أننا ابتلينا بمفهوم الصواب المطلق لحد القداسة، مع الرفض ومهاجمة كل محاولات تجديد لأي دعوة فيها مراجعة لتراث الآباء، فتداخلت لدينا المفاهيم بين التقليد والدين، حتى أننا وبكثير من الأحيان تجاوزنا الدين لصالح الخضوع للتقليد. قد يكون الإنسان مغلوباً على أمره، فلا يجرؤ على رفض العادات ولا تجاوزها. وعلى الرغم من عدم وجود أي سلطة رسمية تفرضها عليه، سوى سلطة المجتمع، إلا أنّ همّه الأكبر هو كيفية المحافظة على صورته أمام المجتمع، فتمحورت كل تصرفاته حول تلك الصورة، دون أن يكون للمنطق أو العقل أو حتى الأخلاق أي حكم.
علينا أن نخرج عن ثقافة القطيع، أن نتجرأ ونهدم «تابوهات» القداسة المحيطة بنا، السياسية كانت أو الاجتماعية أو حتى الدينية، وخصوصاً تلك التي تزيد من التعصب، ويعتبر فيها كل طرف بأنه الفرقة الناجية وأنّ الأخرى هي في النار حتماً، فهذا يقاتل بناءً على فتوى ابن تيمية، طمعاً بالحور العين، وذاك يجيّش قطيعاً آخر عبر «لبيك يا حسين» وكل منهم يحمل صورة غضب تاريخي لا يبشر بأي نهاية لعصر الحرب الطائفية المجنونة.
مهما كان تقييم البعض لهذا الكلام، إلا أنّ النجاح لن يتم إلا بالتغلب على ثقافة القطيع وكسر «التابوهات» المحرمة. فحروب أوروبا لم تنته إلا عبر قفزات فوق جراح التاريخ، فوضعت الماضي في المكان الذي يجب أن يركن فيه، وانطلقت بثقة لتبني المستقبل، فوصلت إلى عصر الإنسان والقانون والمواطنة، استطاعت ايقاف هذا النزيف المجنون وتمّ التأسيس للدولة الحديثة.