كندة سمارة – ملبورن

في كل مرة يتم فيها عمل إرهابي تبدأ الحكومات والدول بتبادل التهم فيما بينها محاولة التعرف على أسباب التقصير الأمني والثغرات التي أدت لهذا الاختراق. والسؤال الذي يطرح نفسه في كل مرة كيف ينجح خطاب عدمي مقدّم من داعش بالوصول إلى تلك النسب الكبيرة من الشباب وتجنيدهم خصوصاً أنه خطاب مسكون بالدم والعنف؟ كيف يستطيع التنظيم تحويل أشخاص عاديين إلى كائنات دموية ومتشبعة بأقصى درجات العنف واللاإنسانية؟
على المستوى الغربي فإن الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب لا تزال تعتمد على الأساليب الأمنية التقليدية… والتي تتركز على القيام بضربة عسكرية أو بالاعتماد على بعض القوى المحلية المناوئة للتنظيم … فهي بذلك تتعامل مع المدخلات من الأفراد لا على احتواء المخرجات… حيث يتم القيام بإجراءات أمنية مشددة على ذلك الجيل الداعشي بمعزل عن إيجاد حل لمعضلة شعوره بالتهميش، ومعالجة أسباب عدم اندماجه في المجتمع. هناك فجوة بين النظريات الغربية بملاحقة ذلك الجيل وبين الأدوات التي يستغلها التنظيم في خطابه. حيث يعتمد التنظيم على الصراع الديني والطائفي الذي يؤدي إلى خلق نزعة «راديكالية» تزداد طرداً مع مدة الصراع. على الرغم من أنّ صناعة الصراعات الدينية بالأمر البسيط نسبياً بالنسبة إلى قادة الأطراف المختلفة فيما بينها، إلا أن أرضية واحدة مشتركة تجمع فيما بينهم وهي الرغبة في السيطرة والتوسع. فيستخدم القائمون على الصراع، التقاليد والتعاليم الروحانية والدينية كغطاء لأهدافهم المبطنة عبر توجيه الشباب المهمش لنجاح أهدافهم. وبالتالي فإنهم يستمدون شرعيتهم المزعومة باستغلال ارتباط الأفراد الديني فيستثمرون حالة التفكك والضياع التي يعيشها الشباب في الدول العربية أو الغربية وذلك عبر تفعيل ذاكرة الشعوب باسترجاع صور الخلافة والقوة وعصر المجد الإسلامي.
على المستوى العربي نحن جميعاً مسؤولون دون أي استثناء عن هذا التطرف، فداعش اعتمدت وتعتمد بتركيبها على جيل عانى من الظلم والقهر وعدم المساواة، فامتزجت تلك المعاناة بالأماني التواقة للعالم العادل. إن شناعة ما يقوم به هذا التنظيم يحتّم علينا ضرورة تجديد خطابنا البائس السياسي والثقافي والديني والذي قدمناه بأسلوب انفعالي مستمر. علينا احتواء ذلك الجيل، فهو بحاجة إلى ثورة في العقل لتعيده إلى المعنى الحقيقي للقيم الأصيلة من حرية وعدالة وكرامة إنسانية.