كندة سمارة – ملبورن
سوريا التي احتضنت الإسلام والمسيحية، فانطلق منها المبشر السوري المسيحي إلى أوربا، ثم كررت الموقف ذاته مع الإسلام
وقدمت بذلك نسختها الفريدة… فهي مثوى الأولياء وفيها مدارس الأنبياء. فالإنسان السوري مجبول بجينات الحضارة التي أدهشت العالم عبر فهمه لمعنى العيش المشترك والتكيف مع الآخر فالسوري ما هو إلا نتاج لتزاحم الحضارات والثقافات على أرضه، فأعطى عبر التاريخ هذا التنوع الرائع الذي عاشه الناس على ضفاف بردى، وحول قلعة حلب، وفي سهول الجنوب، وجبال الجمال الخضراء. . السوري الحضاري الذي أتقن منذ فجر التاريخ ثقافة احترام الآخرين ومقدساتهم معتمداً مقولة الحكيم السوري «لا تحقّر إله يعبده غيرك» وهي ثقافة عاشت فيها المعابد متجاورة على اختلافها لقرون عديدة، وظلت فيها مكتبات الكنائس حافلة بالكتب والرموز الدينية المرفوضة في العقيدة الاسلامية ولكنها لم تصادف أي معاناة في الانتقال من جيل إلى آخر، بأن تمارس العيش المشترك في ظل كل الدول التي تقلبت في الحكم …. هذه هي سوريا على الحقيقة، وهؤلاء أهلها، وتلك شيمهم.
لكن مشهد الحرب قام بتبديل كل شيء، فاليوم لم تعد صورة السوري ذلك الشاعر الحساس الذي يكتب عن دمشق فيعرّش الياسمين على أصابعه، لقد أصبحت صورته مضرجة بالدماء والحزن والأسى….كل الدول التي تقلبت على سوريا كانت تلتزم ثقافة الناس وعاداتهم وتؤمن بالعيش المشترك … إلا ما قام به تيمورلنك بغزوه الهمجي عام 1400م فأحرق حلب ودمشق واستباح نسائها وأطفالها … وعلى الرغم من أن الدمار الذي أصاب حلب اليوم هو أقسى مما كتبه التاريخ عن تيمورلنك… إلا أنّ إيماني أنا وغيري بأن ذلك المشهد الرهيب الذي يتولد اليوم على أرض سوريا لا مستقبل له … وذلك ببساطة لأنه ليس لديه فيها ماض ولا تاريخ. إنها كلمات أرسمها برسم الأمل للسوري المعذّب في الأرض، الذي كابد أقسى أشكال المحنة في الزمن التيمورلنكي ولكنه نجح في تجاوزها لأن روحه الطيبة بقيت مستمرة فتجسدت في صور الإخاء والعيش المشترك، صور الوسطية والاعتدال والتي هي وحدها سوف تستمر على هذه الأرض الطاهرة، وهي تاريخها الآفل ووعدها الآمل.