أمان السيّد – سيدني

يتوالى اتهامنا كمسلمين بالقتل، وبالإرهاب وبالتطرف في إساءة مباشرة إلى روح الإسلام، وذلك لممارسات فردية تصدر عن بعض ممن يخيّمون تحت عباءة هذا الدين، والتي ليست غير نتاج فكر ظلامي متشدد فقد الصلة بينه، وبين ذلك الجوهر الراقي.
ولعل المتابع لبعض من آيات كريمة مختارة هنا تدفع المتهم المتعنت لو أراد إلى أن يعيد النظر في تهم يلقيها جزافا على دين احترم الإنسان كإنسان، وجهد للحفاظ على التنوع البشري في الحياة الإنسانية.
يقول الله تعالى في سورة النساء الآية( 92):
« وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا».
لتنظر نفيه تعالى عن المؤمن قتل أخيه الإنسان، حيث يضع له العذر بالقتل الخطأ، إذا كان مؤمنا حقيقيا، وما يفهم من الآية الكريمة أنّ كل من ينتمي إلى بني الإنسان يفترض به أن يكون على فطرة الإيمان، وما يلحقها من الترفع عن الشر، ومجانبته ما أمكن، ثم خذ الحكمة من تسلسل العقوبة التي تلحق بذلك الجرم، وحدّتها، وحساسيتها لمن رغب بالتكفير عما اقترف.
ثم تأمل ما أمرت به الآية الكريمة بشكل مفصّل من احترام العهد، والميثاق، والمنهج المتبع في الحروب، والمخاصمات ذاك الذي نفتقده اليوم، وفيما يتلوه من الأحكام في العقوبات التي من الصعب الالتزام بها إلا بمشقة، وفي ذلك غاية عظيمة من الله عز وجل، وتنبيه للاحتراس والابتعاد عن إزهاق الروح الإنسانية بشكل عبثي لما لها من المكانة عند خالقها.
ما أبلغ الأسلوب القرآني وهو يرشدنا إلى هول الأمر، وفظاعته، فيما يجر على المتخاصمين من سيول الدماء، وذلك باتباعه عموم النفي المطلق بطريقة إنسانية رفيعة المستوى شفافة الحضور.
وبعد هذا ينعتون الإسلام بالتحريض على القتل والإرهاب؟!
ليست العلة إلا في العقول التي لم تفتح بصيرتها على الرحمة، ولم تع عظمة هذا الدين السماوي الحكيم الرحيم.
وفي معرض الحديث ذاته يصحبنا التأمل إلى سورة المائدة حيث يقول تعالى فيها:
« لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين(28) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30).
حديث بين ابنيْ آدم يسجل فيه أول العفّ عن القتل، وأول الرغبة فيه في صراع الغيرة والحسد في إطار الشر البغيض بين الأخوة، وبدايات القتل الأولى التي تسلست في سجل البشرية.
قتال بين الإخوة تحت اسم الله.. اقرن فيها أيها المتأمل خشية المؤمن الحقيقي من فعل القتل، لأنه يربط ذلك بالله وعظمته، أما من عميت بصيرته، فإنها تبرر له بمختلف الطرق ارتكاب القتل تحت اسم الله أيضا، ثم- يا أيها المعتبر- لتصل بنفسك إلى نهاية الآية الكريمة التي تؤكد الخسران، والندم الذي يلحق مرتكب القتل، وبشاعة نهايته، وإن طالت.
هذا ليس إلا غيضا من فيض لمن أراد الغوص في قانون، وروادع القتل في الإسلام يستلهم في ذلك صفاء النية، ونقاء القلب.