كنده سماره – «ملبورن»

كثر الكلام عن أسباب ما تمر به سوريا، فعلى الرغم مما يعانيه السوريون من حزن وألم ومعاناة إلا أن تبادلهم للتهم يكبر يوماً بعد يوم مع كبر حجم مأساتهم. ثقافة الشك التي تتلازم معها كمية من تبادل التهم والتي أصبحت جزءاً لازماً للعديد من السوريين في أحاديثهم خاصة مع توافر وسائل التواصل الاجتماعي. وما زاد الأمر سوءاً ظهور المسميات الإسلامية، التي سرقت جهد الشباب فكان كل همها التشبث بمقاعد السلطة ولو على حساب نهر من الدماء. هذه المسميات التي ادعت التدين فجاءت نقمة على الشعوب العربية، وأحالتنا إلى متفرجين يائسين لا نوفق في تحقيق تعاون بناء مع شعوب تهتم بمصائرنا فعلاً وتسعى لمساعدتنا.
ألمانيا تمارس المكر والحيلة لتستفيد من عقولنا، أما كندا فمشروعها واضح في تنصير السوريين، أما استراليا وغيرها من الدول الأخرى فهي حتماً ستستفيد من معونات الأمم المتحدة. حتى من زار اللاجئين وعائلات المنكوبين واصطحب معه بعضاً منهم لم يسلم من تلك التهم، فهدفه واضح وهو الدعاية والترويج. ولنسلم جدلاً أن ذلك هو الهدف … لماذا يتقاعس أثرياء بلادنا العرب ممن لديهم السلطة والمال من نفس التصرف … وليكن هدفهم الدعاية فقط؟! نظرية التشكيك تلاحق كل من قام بدور أخلاقي في الرعاية والحماية وتوفير الغذاء والدواء. نحن نميل بالحكم على الناس كجزء من التصنيف فإما كافر، أو خائن عميل، والأمة الناجحة قد سرقت نجاحاتها من حضاراتنا.
لست هنا بالوكيلة عن الغرب ولا بالدفاع عنهم، لكني متألمة على حال السوري التائه، أريده أن يتخلص من عقدة المظلومية وأن يتقبل الأمم الناجحة. فالدول التي احتضنت السوريين بالمعايير الإنسانية إنما فعلت ذلك تطبيقاً لقوانينها وخضوعاً لإرادة شعوبها، تلك الشعوب تؤمن بالأسرة الإنسانية، وأننا جميعا جزء من تلك الأسرة الكونية، وأن تجاهل مصائب الآخرين ومعاناتهم لا تليق بالحضارة، وعلى الأغنياء أن ينفقوا على الفقراء وأنه «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه،» وأنه لا يعتبر مواطناً حضارياً من «بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به.»
لقد مارسنا إنكار الخير في الإنسانية سياسياً من منطق التخوين، ومارسناه في الدين من منطق التكفير. فأصبحنا نبحث عن خنجر في كل يد ممدودة، وعن سم في كل طبق مقدّم. إن هذا الوهم يعيق المنكوب من بناء حياته ويتنافى ومنطق رسائل الديانات السماوية، فهو يفترض بأن القيم التي بشرّت بها الأنبياء قد أخفقت جميعها، وكأن الأنبياء حاولوا إصلاح ما لا يمكن إصلاحه فطبيعة الشر والغدر?التي بحسب رأي البعض?لن تؤثر فيها لا الموعظة الحسنة ولا نور العقل فهي لا تتغير إلا بحد السيف. ربما العالم ليس بالجمعية الخيرية لكنه حتماً ليس وكراً للذئاب، علّ موقفنا من الخير والشر أن يتمثل ما ترسمه آية قرآنية عظيمة: «نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم.»