كندة سمارة – ملبورن
أضحينا في زمن غابت عنه تلك الأفلام التي تحاكي أسمى ما تمتلكه النفس البشرية من مشاعر وأحاسيس، فتربعت في مرتبة الصدارة تلك الأفلام التي تضمنت مشاهد العنف والدمار والتخريب على الأرض.
علينا الاعتراف أن هذه ليست بنزعة حديثة، فجذورها تعود إلى مئات السنين. فعلى ضفة الغرب استحوذ الفن الأدبي على العديد من أعمال العنف وأصبح مادتها الدسمة، ومحركها الأساسي كما استقى منها حبكة قصته. فكانت تلك القصة وفي كثير من الأحيان تبدأ أو تنتهي بإحدى أشكال العنف فعرّف الغرب ذلك الأدب بـ»أدب الحرب.» ذلك الأدب ما هو إلا تجسيد لوقائع وحروب حقيقة جسدته قدرة بشرية بشتى أنواع العنف والتعذيب.
لم يخلُ تاريخنا العربي من تلك الصور أيضاً فغزو وقتل وقطع أعناق كانت مادة استقى منها أدبنا العربي صوره. وما «ألف ليلة وليلة» إلا خير دليل على ذلك. وإن كان البعض قد مارس عنفه بيديه أو ربما بأسلحته، إلا أن البعض الآخر اعتمد لسانه وقلمه، وما صفحات التواصل الاجتماعي مؤخراً إلا دليل على ما تعكسه تلك البشاعة المختبئة في ثنايا الصدور.
تحوّل الإنسان فأصبح بطبعه قاسياً، ودخل العنف في كل تفاصيل حياته، حتى في تفكيره وحديثه … في الأدب ودور السينما، حتى في الشارع والعلاقات الأسرية، نشرات الأخبار، حتى الطقس أصبح قاسياً وزادت معدلات الكوارث الطبيعية والتي ربما كانت طريقته للتعبير فيها عن غضبه علينا، لم تسلم حتى لعب الأطفال من ذلك العنف فأضحت معظمها بالقتالية وتطورت لتحاكي أكبر حروب العالم وأفظع الجرائم.
هذا التحول الذي أصاب السوريين على وجه الخصوص فأصبحت تلك البشاعة والعنف تفصيلاً يومياً طبيعياً لا يتعدى حجم التأثر به الدقائق المعدودة ثم يعاود الناس بعدها حياتهم اليومية دون أن تحركهم مشاهد الدماء والأشلاء أو تترك أثراً في نفوسهم.
إنّ سبب شراسة الحيوان تعود لرغبته بالدفاع عن وجوده فهي غريزة بيولوجية من أصل تكوين جسمه، أما الإنسان وللأسف فقد تدنى مستواه وأصبح العنف عنده صفة أساسية، تطلق لها المبررات من منطق عدواني محض. حبذا لو أصبحت ثقافة اللاعنف شعارنا، ذلك الشعار الذي أطلقه غاندي كأول بند في إيمانه، وآخر بند في عقيدته وإن تطلب ذلك منا جهداً اليوم، لكن سينعم به أبناؤنا غداً.