عياد يسى

في إحد شوارع بلاك تاون في سيدني قابلته بالصدفة فهو من مدينة الخرطوم وكانت معرفتي به سطحية بالرغم من إننا كنا نسكن في منطقة واحدة ربما لاني اكبره في العمر.
عرفت منه انه حضر الى استراليا قبل عشر سنوات تقريباً ويعمل الآن رئيس قسم في احدى الشركات الكبرى فسألته كيف استطعت ان تشق طريقك هنا في استراليا. تنهد وقال: قضيت حياتي كلها اجري لأسابق الزمن حتى مولدي كان قبل الموعد بشهرين وكما تعلم ان اسرتي كانت فقيرة جداً، فذقت مرارة البؤس والحرمان والشيء الذي لن انساه ذلك المشوار الطويل الذي كان عليَّ ان اقطعه مرتين في اليوم الى مدرستي الابتدائية ويا ليتني كنت البس حذاءً مريحاً ليساعدني على تحمل هذا المشوار الشاق بل كان عليَّ ان البس حذاء اخي المرّقع الذي ضاق عليه واتّسع عليَّ، لذا كان ينسلت من قدمي اثناء سيري فأضطر للتوقف لاعادته وأعاود المشي.. وكان يضايقني نظرة زملائي إليَّ وعندما كنت اعود للمنزل متمرداً كان والدي يطيب خاطري ويقول لي ان الله لم يخلق الناس متساويين في كل شيء ولكنه يعدل بينهم ممن يحرمه من نعمة يعطيه أخرى تكون افضل منها له مثل نعمة الصحة والقناعة.
بعد سنوات من الجري والكفاح المتواصل حصلت على بكالوريوس تجارة وبعدها بدأت مرحلة البحث عن عمل بعيداً عن دواوين الحكومة لانها لم تحقق لي ما كنت أصبوا إليه فكنت أجول شوارع الجمهورية والبلدية وشارع الحرية والمناطق الصناعية حاملاً طلبات الالتحاق لتسليمها للشركات والمصانع للمسؤولين هناك الى ان وفقني الله الى وظيفة في قسم الحسابات باحدي الشركات ومع ذلك لم أتوقف عن الدراسة فالتحقت بمعهد مسائي لدراسة الكمبيوتر وعلم التكاليف وحتى عندما اردت الزواج لم أضيع وقت في البحث عن عروسة فهي كانت بجانبي طوال الوقت لانها ابنة عمي الذي بعد زواجنا هاجر الى استراليا. وهو الذي شجعنا وساعدنا في التقدم بطلب الهجرة الى استراليا وبإختصار حصلنا على موافقة طلبنا عن طريق النقاط ووجود عمي هنا.
بدأت هنا مشوار الجري من جديد لأبدأ من اول الطريق فبعد إلتحاقي بمعهد تدريس اللغة الانكليزية واللهجة الاسترالية وجدت انه حتى التحق بأي عمل مناسب لابد من الخبرة الاسترالية فتوجهت الى مركز العمل التطوعي لاكتساب الخبرة وعن طريقهم عملت تطوعاً في إحدى الشركات واستهواني العمل لاني وجدت قيمة نفسي التوَّاقة الى الحسابات وعملت لمدة شهرين بدون اجر حصلت بعدها على شهادة أهّلتني للحصول على عمل في احدى الشركات الكبرى وتدرجت في المناصب الى ان وصلت الى رئيس قسم في هذه الشركة.
فسألته هل أنت مبسوط هنا.. فقال الحمد لله فانا لا انكر فضل هذا البلد عليّ وعلى أسرتي ولكني لن أنسى أيام السودان والتي كانت فيها الفرحة ممزوجة بالألم… شكرت السيد س.م. وتمنيت له مستقبلاً باهراً..