القس الدكتور جُون نَمُّور
للذين لم يقرأوا الجزء السَّابق أكرر هذه المقدمة. بِقِيَامَتِهِ برهنَ المسيح سُلطانهُ على الموت والشيطان وأنه مُخلِّص العالم حسب أقوال الأنبياء (يوحنا42:4؛ أعمال43:10).ظهرَ لتلاميذهِ وأزال منهم الحزن والخوف والشَّك. دامت ظهوراتهِ أربعين يوماً وتركَ لهم رَسائل هامَّة. ظَهَرَ لهم كالآتي: مَريَم المجدلية (يوحنا1:20)؛ المجدلية ومريم الأخرى (متَّى1:28)؛ تلميذا عَموَاس (لوقا 13:24)؛ بُطرس (لوقا34:24)؛ الرُسُل بِغِيَاب تُومَا (لوقا36:24)؛ الرُّسُل وتُوما (يوحنا 24:20)؛ بُطرُس وسِتَّة رُسُل عند بحر طَبَرَيَّا (يوحنا21:21)؛ لخمسمائة تلميذ (1كورنثوس6:15)؛ لِيَعْقُوب (1كورنثوس 7:15)، الرُّسُل وتلاميذ أُخَر (لوقا50:24؛ أعمال9:1؛ 1كورنثوس6:15).
أقوال بُولُس الرَّسُول: قالَ بُولُس الرسول الوَحْيُّ:»وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ وَقَبِلْتُمُوهُ وَتَقُومُونَ فِيهِ وَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا. فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ. وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ.وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا [بطرس] ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا. لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ. وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا وَنِعْمَتُهُ الْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلكِنْ لاَ أَنَا بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي. فَسَوَاءٌ أَنَا أَمْ أُولئِكَ هكَذَا نَكْرِزُ وَهكَذَا آمَنْتُمْ» (1كورنثوس1:15).
ظهَرَ لخمسمئة تلميذ: لتَثْبِيت الكنيسة بالإيمان أكَّدَ بولس أن موت المسيح وقيامتهِ صارا بحسب ما تنبّأ بهِ الأنبياء. وذكرَ أسماء بعض الذين ظَهَرَ لهم المسيح. ظهرَ لأكثر من خمسمئة أخ دون ان يُدَوِّن مكان الظُهور إنما وعلى الأرجح قد تمَّ هذا الأمر في الجليل، استنادا على قول المسيح لهم قبل موته: «حينئذ قال لهم يسوع كلكم تَشَكُّون فِيَّ في هذه الليلة لانه مَكْتُوبٌ اني أضرب الرَّاعِي فتتبدَّد خِراف الرَّعِيَّة. ولكن بعد قِيَامِي أسبقكم إلى الجَليل» (متى 31:26). أيضاً الملاك الذي دَحرَجَ الحجر عن باب القبر قال للنِّسوة:»لَيْسَ هُوَ ههُنَا لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ. هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ. وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا» (متى2:28). كان للجَلِيلِ وضع خاص في خدمة المسيح لكنه بعد قيامته أمرَ تلاميذه البقاء في أورشليم لِيَحل الرُّوح القُدُس عليهم، لكي يكرزوا بخلاصهِ بدءاً ليس من الجليل بل من أورشليم وإلى أقصى الأرض (أعمال4:1).
أكثر من خمسمئة شاهده: ظهرَ المسيح لجمعٍ كبير من تلاميذه لِيُثبّت إيمانهم لأنهم متى عَايَنُوا قيامته بأم العين يكونون شهودا أفضل لقيامته، وليس بسمع الأذن. يُعْتَبَر ظهوره لهم هَام جِدَّاً لكونهم بدورهم سيكونون له شُهُود عَيَان للعالم أجمع، كقول النُبُوءَة: «ويُبصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ الله» (لوقا6:3؛ إشعياء 5:40). لأنه كيف يشهد الشاهد ما لم يُبصر أو يختبر حقيقة الأمر الذي يشهد له؟ وإلا فهو شَاهِدُ زُوْرٍ. ظهرَ لِيَعقُوب: «بَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ» لم يوضح الكتاب مَنْ هو يعقوب هذا. لكن عُلماء اللاهوت يعتبرونه الذي تكلَّم عنهُ الوحي في رسالة غلاطيَّة (18:1). الظهور الأخير والوداع: قال الوحي: «ثُمَّ ظهرَ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ». ربما قصد بُولُس بهذه العبارة عدَّة ظهورات. أي حين ظهرَ للرُّسُل الأحد عَشِيَّة يوم القيامة بغياب توما. وحين ظهر الأحد التالي بوجود توما. أيضاً حينَ ودَّعَهم على جبل الزيتون. عداكَ عن سائر الظهورات المتفرقة لبعضهم.
والآن نكتفي بحادثة الوداع:»وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ.آمِينَ» (لوقا50:24).وشرح لوقا الحادثة قائلاً:»وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ وَقَالاَ أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ. إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ» (أعمال 9:1).
وأثناء الوِداع أبلغ تلاميذه أن ينتظروا عَطِيَّة الرُّوح القُدُس ليكرزوا بهِ في الأمم لِمَغْفِرَة الخَطَايَا، لأنه بدون رُوحه لا قُوَّة ولا حكمة ولا تأثير ولا إرشَاد ولا إحتمال للضيقات، حتى الموت. وإن لم يكرزوا بخلاصهِ فيصيرون كالعبد الرديء الذي وضع مالَ سيِّده في مِنديلٍ وأخفاه ولم يستخدمه (لوقا20:19). إذا، إن قال أحدهم أنا أؤمن بالمسيح وتمتعت بمغفرة خطاياي بدمهِ ونلتُ بهِ وعد الحياة الأبدية بشهادة الروح القُدُس الحال فيّ (راجع رومية16:8)؛ نقول له هَنِيئَاً لك. لكن لا يجوز أن أكون مؤمناً بالمسيح وأدّعي بأن الرُّوح القُدُس قد حلَّ فِيَّ وبذات الوقت لا أحيا حياة مُقدسّة ولا أنادي بخلاص المسيح لمن هم حولي. أقصد الذين لم يختبروا المسيح مُخلصا شخصيا لحياتهم. صمتي عن الشهادة يعني أن المسيح لم يسكن بروحه فيَّ بعد. لهذا هيّا بنا نُصَلِّي:»أيُّها الرَّب يسوع اغفر خطاياي بِدَمِكَ واملأنِي بِرُوحِكَ وامنحني هِبَة الحياة الأبدية؛ لأحيا مُنتصراً بِقُوَّة قيامتكَ ثابِتَاً في المحبَّة والقَدَاسَة الى الأبَدِ». وأخيراً أُهْدِي للآبِ والابنِ والرُّوح القُدُس الإلهُ الوَاحِدُ المُثَلَّث الأَقَانِيم الإكرام والسُّجُود والتَّعَبُّد الآنَ وإلى أَبَدِ الآبِدِينَ، آمين.