وديع شامخ –
رئيس تحرير مجلة «النجوم»
مهاد
قد يبدو من المستغرب أن َتحمل المعرفة البشرية سرها من خلال الموت.. الموت الذي يعني موت الآخر « الغريم ، الند» .. لكن موت الآخر يؤدي الى إنبثاق قيمة عامة للحياة ، تتضمن معرفة الكائن بنفسه وبالآخر المقصي ، الميت»».
الموت هنا فكرة جسدية والمعرفة فكرة عقلية وروحية .. فالميت هو مقصي جسديا بحسب القانون الذي ُطبق عليه ..ووفقا لقرار القضاة الذين نطقوا بالحكم ، المقيد تنفيذه بآلية معلومة الأداة .. ولكن الموت الجسدي والذي يفسر أقصاءً لجسد الند ، الغريم ، سوف يكون مبعث إنتاج أسئلة وجودية عميقة جدا سوف تطال حقيقة الموت ذاته كنهاية .
ومن خلال النفي « الموت» والإثبات « الموت « أيضا .. هناك جملة من التفاصيل التي يمكن من خلالها الوصول الى شعور الجاني والضحية معا .. لنأخذ مثال المعلم سقراط الذي قُتل قبل أكثر من الفين سنة .
ربما كان درس « جلجامش وأنكيدو» يستحق الريادة في البحث عن سر الخلود ومحاولة الإنتصار على الموت بطريقة الحصول الى الأسرار الإلهية . ولكن درس سقراط أهمل تماما موضوعة الخلود الجسدي وسره .. بل ذهب سقراط لتفعيل السؤال الفلسفي عن الوجود والكائن .. وكان سقراط مشاكسا « ندا» عنيدا .. لنخبة «أثينا» بكل مستويات إنتاجها العقلي والعاطفي .
مشهد
الإسم : سقراط بن سوفرونيسكوس ..
الصفة : معلم وفيلسوف أغريقي عظيم ..
التهمة : إفساد عقول الشباب وطرح أسئلة محرجة للجميع .
هيئة الحكم : «ميليتوس» و»أنيتوس» و»بوليقراط» من الطبقة الأرستقراطية في أثينا .
نص الإتهام : «إلى متى سيبقى هذا الهرِم الخرِف يثير أسئلته السخيفة ويحاول إحراج الجميع … لم يسلم من لسانه أحد .. لا الشعراء ولا المسرحيون ولا حتى الاستراتيجيون – وهم القيادة العسكرية العليا في أثينا والمكونة من عشرة أشخاص»
وسيلة الإتهام : «في السوق جاء الصوت الجهوري للمنادي حليق الرأس قوياً وواضحاً لفت انتباه الجميع إليه… ووقف يتلو البيانات الرسمية والأحكام القضائية عليهم» سقراط بن سوفرونيسكوس .. إن عليك المثول أمام المحكمة العليا في أديون في الشكوى المقدمة من قبل ميليتوس بن ميليتوس «.
..لم يحرك سقراط ساكناً وإنما أخذ الأمر ببرود وثقة …. وكان المنادي يذيع أحكاما آخرى « آيونيس بن ستراتون .. متهم بتوجيه الإهانة للأماكن المقدسة المرتبطة بديميترا .. الحكم.. إعدام..
آكريب بن هويسيبوس.. متهم بقطع شجرة الزيتون المقدسة .. الحكم .. إعدام!!..فلان بن فلان .. …………إعدام..» أحكام قرقوشية في فضاء السوق .
رأي المشتكين : أحدهم « إن أكثر ما يقلقني هو حماس الشباب لتبني أفكاره .. ولا أخفيكم أيها الأصدقاء بأن ابني واحد منهم …أنا قلق للغاية…، أخر يقول : لقد سرق سقراط مني الأضواء وأنا الكاتب المسرحي المرموق!!.
الحكم : الموت ..
طريقة التنفيذ: لقد كانت « المحكمة العليا في أديون» كريمة جدا مع سقراط ، فأعطته خيارات متعدد لموته .. « يعتقدون الموت هو النهاية القصوى للإقصاء / لذا كان هذا العرض السخي «.
سقراط يرفض دعوته تلاميذه للهرب ويوافق على تنفيذ الحكم ، مختارا « السم « كوسيلة لموته ..»
إستدراك: « أعتقدُ أن إختيار السم من قبل سقراط يمثل فعلا مضاد للموت الجسدي الذي اراد الخصوم له ، لان تناول السم يأتي بطريقة الإرادة الشخصية « كأس يتم شربه بإرادة واعية مشتركة بين الجسد والعقل معا وليس كالمقصلة مثلا .»
إن سقراط أسقط الموت كعقوبة من يد الحاكم ، وحوله الى إداة معرفة لادانة الحاكم والانتصار للمعرفة ليس بصفته ضحية .. وانما بصفته سؤالا مشاكسا حرا غير قابل للموت .